أطفال بين المخيمات والطرقات: عطلة الصيف تُبرز الفجوة الطبقية في المغرب

مع انطلاق العطلة الصيفية، يتحول الحيّز الزمني الذي يُفترض أن يكون فترة للراحة واكتساب مهارات جديدة، إلى مرآة عاكسة لتفاوتات اجتماعية صارخة بين أطفال المغرب.
ففي حين يلتحق الآلاف من التلاميذ بالمخيمات الصيفية الممولة من قبل أسرهم أو المعاهد الخاصة، يُترك آخرون لمصيرهم في الأزقة أو أمام شاشات التلفاز، في غياب أي دعم تربوي أو ترفيهي مؤطر.
داخل أسوار المخيمات الخاصة والمعاهد اللغوية، يحظى أبناء الفئات الميسورة ببرامج مكثفة تتنوع بين تعلم اللغات، والأنشطة الفنية والرياضية، وحتى التكوين في المهارات الرقمية الحديثة.
يُشرف على هذه الأنشطة مؤطرون محترفون، وتُرافقها رحلات وورشات هدفها صقل شخصية الطفل وتعزيز ثقته بنفسه، مما يُعيد إنتاج الفوارق التعليمية والاجتماعية بشكل ناعم ولكن مؤثر.
في المقابل، يقضي آلاف الأطفال في الأحياء الشعبية صيفهم بين جدران البيوت أو في الشوارع، دون إطار منظم يضمن لهم تعليماً غير نظامي أو ترفيهاً هادفاً.
وبالنسبة لكثير من الأسر، تشكل التكاليف المرتفعة للمخيمات أو الدورات الصيفية الخاصة عائقاً لا يمكن تجاوزه، وهو ما يجعل الفجوة بين الأطفال تتسع، ليس فقط على مستوى المعرفة، بل على صعيد الفرص المستقبلية أيضاً.
الباحثة في علم الاجتماع التربوي، زينب العروسي، ترى أنه يمكن النظر إلى العطلة الصيفية باعتبارها مرحلة انتقالية حساسة تكشف عن البنية الطبقية للمجتمع، وتتجاوز بعدها الترفيهي الظاهري لتصبح عاملًا مساهمًا في تعميق الفوارق الاجتماعية والتربوية.
وسجلت الباحثة في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أنه في حين تُصوَّر العطلة كحقّ للراحة والتجديد، فإن مضمونها وطريقة تمضيتها تختلف جذريًا باختلاف الرأسمال الثقافي والمادي للأسر، ما يؤدي إلى إنتاج غير متكافئ للخبرات والمهارات بين الأطفال.
وأشارت إلى أن للطفل المنتمي لأسرة ميسورة يحظى غالبًا بعطلة مهيكلة ضمن أنشطة مدفوعة، تسمح له بتطوير مهاراته اللغوية، التكنولوجية، والفنية وكذا الاجتماعية، وذلك داخل بيئات تعليمية غير رسمية تحاكي المنظومات التربوية الحديثة.
واعتبرت أن هذا الشكل من الترفيه الممنهج يُعزز لديه الثقة في النفس والانفتاح على العالم، ويُعيد إنتاج الامتياز الطبقي في شكل “تفوق تربوي ناعم” يُترجم لاحقًا في مسارات دراسية ومهنية أكثر نجاحًا.
على النقيض، لفتت العروسي إلى أن عددا كبيرا من الأطفال في الأحياء المهمشة يقضون عطلتهم في فراغ قاتل، “حيث يغيب التأطير ويحل محله التسكع أو الاستهلاك السلبي للمحتوى التلفزي والإلكتروني”.
وأبرزت المتحدثة أن هذا الفضاء الخالي من التوجيه يُحوّل العطلة إلى زمن ضائع من الناحية التربوية، بل وقد يُنتج سلوكيات محفوفة بالمخاطر، من قبيل العنف الرمزي، أو الانسحاب الاجتماعي، أو حتى الانحراف في بعض الحالات.
وخلصت إلى أن هذا التفاوت يُحيلنا على مفارقة مركزية في علم الاجتماع التربوي: المدرسة قد تكون مجانية ومنفتحة على الجميع، لكن الفضاءات غير النظامية (مثل العطلة) تُظهر كيف أن التمدرس وحده لا يكفي لضمان تكافؤ الفرص.
المطلوب اليوم، بحسب العروسي، ليس فقط تحسين جودة التعليم داخل الفصول الدراسية، بل إرساء عدالة تربوية تمتد إلى كل الأوقات والفضاءات التي يصنع فيها الطفل هويته الاجتماعية والمعرفية.