كاير: “العتبة” أساسية في برامج الدعم ولا يمكن قياس قيمتها من خلال “أنانية” المركز.

أكد عثمان كاير، رئيس المرصد الوطني للتنمية البشرية، اليوم الأربعاء، على أن مسألة “العتبة” في برنامج الدعم المباشر تعد ضرورية من أجل الاستهداف الموضوعي، مؤكدا على أن قياس قيمة الدعم وأثره على تحسين الوضعية لا يجب أن يتم انطلاقا من “أنانية المركز” بل بناء على وضعية المستفيدين ضمن سياقهم الاجتماعي والاقتصادي.
وشدد كاير، ضمن ندوة صحفية لتقديم نتائج تقييم برنامج الدعم المباشر، على أن أي برنامج للاستهداف الموضوعي يتطلب بالضرورة “تحديد عتبة معينة، تمامًا كما هو الحال في امتحان البكالوريا”، موضحا أن “الحكومة أو الجهة المدبرة عليها، بناءً على معطيات اقتصادية واجتماعية، أن تحدد العتبة، ودائمًا ستكون هناك فئات تقع تحتها وفئات فوقها. وإذا ما تم خفض العتبة، ستظهر من جديد فئات أخرى غير راضية”.
ولفت إلى أن تحديد “المؤشر” يواجه خلاله المدبر البرنامج إكراها يتعلق بكيفية الحصول على المعطيات التي تحدد العتبة، والتيقن من مصداقية المعطيات، وكيفية تتبع تطور الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمستفيدين لنضمن استمرارية الاستفادة أو توقيفها، مبرزا أن البرنامج “أعاد الثقة بين المواطن والإدارة، من خلال رقمنة المساطر ووضوح معايير الاستهداف”.
بالنسبة لقيمة الدعم، لفت كاير إلى أنها موضوع نسبي حسب وضعية المستفيدين ووسطهم الاجتماعي والاقتصادي، مبرزا أن البحث لم يتطرق لهذا العنصر، لأن البحث ركز على تجربة المرتفقين، مضيفا أن الدعم يتراوح بين 500 و1200 درهم حسب تركيبة الأسرة، مفيدا أن قيمة الدعم والعتبة تبقى اختيارات تدبيرية بيد المدبر العمومي، وفقًا لإكراهاته ومعاييره وأهدافه.
وبخصوص العلاقة بين الدعم وتحسين ظروف العيش، أفاد كاير أن مبلغ 500 درهم شهريًا هو الحد الأدنى الذي أُقرّ بتعليمات ملكية، بينما الحد الأقصى يمكن أن يصل إلى 1200 درهما، وهو ليس دخلاً لأسر تتوفر أصلًا على دخل شهري مرتفع، بل موجَّه لأسر ليس لديها دخل، أو دخلها محدود جدًا، مفيدا أن الدعم المالي يجب أن يُرفق ببرامج للتمكين الاقتصادي والاجتماعي، حتى تتحول هذه الأسر من مستفيدة إلى فاعلة ومندمجة، وتُغادر الدعم تدريجيًا.
وأضاف كاير أنه “إذا اعتبر البعض أن مبلغ 500 أو 1200 درهم ضعيف، فعلينا أن نتخلص من أنانية المركز ونضع أنفسنا مكان الأسر في المناطق الهشة والبعيدة، ونسأل سؤالًا بسيطًا: ماذا كان سيكون وضع هذه الأسر أمام موجة الغلاء والتضخم في سنتي 2022 و2023 وبداية 2024، لولا هذا الدعم؟”.
وأوضح كاير أن المرصد الوطني للتنمية البشرية أصر على إنجاز هذا البحث مباشرة بعد صرف أول دفعة من الدعم الاجتماعي المباشر للفئات المستهدفة، موردا أن تقييم هذا النوع من البرامج يختلف باختلاف مرحلة الإنجاز، والمعطيات التي تم تجميعها تخص الفصل الأول من تنفيذ البرنامج، أي منذ صرف أول دفعة إلى حدود يونيو 2024.
وتابع أن هدف المرصد هو إرساء منظومة للتتبع اللحظي لتنزيل هذا البرنامج، بدل انتظار سنوات طويلة كما كان يحدث في تجارب سابقة، موضحا أنه اليوم، المواطن المغربي والملك محمد السادس “لم يعد يقبل الانتظار طويلاً لمعرفة إن كان البرنامج نجح أم لا، وهل أدى وظيفته وحقق أهدافه. ومن هنا جاءت رغبتنا في مواكبة البرنامج منذ بدايته”.
وبخصوص النتائج الإيجابية التي توصل إليها التقييم، اعتبر كاير أنها “نتائج طبيعية”، لأن البرنامج يتعلق بتحويلات نقدية، ومن النادر أن تُسجل مؤشرات سلبية في برامج مماثلة، مبرزا أن البحث الميداني شمل عينة من الأسر المستفيدة فقط، ولم يشمل الأسر غير المستفيدة، التي تطرح عندها إشكالية “العتبة”.
وأبرز أن البحث استهدف تجربة المستفيدين وتقييمهم للبرنامج: “كيف عرفوا بالبرنامج؟ كيف وصلوا إلى المعلومة؟ هل اعتبروا مساطر التسجيل والاستفادة شفافة؟ هل وجدوا معايير الأهلية عادلة ومنصفة؟ ما تقييمهم للتواصل الحكومي؟ إلى غير ذلك من عناصر التجربة”.
وبخصوص صدقية تصريحات المستفيدين، لفت كاير إلى أنه تم القيام بما يُعرف بـ”تنقية المعطيات”. فالاستبيان الذي اعتمدناه تضمن أكثر من 70 سؤالًا، وتم تضمين أسئلة تهدف إلى اختبار اتساق وتناسق الأجوبة. وعندما نكتشف تناقضًا في التصريحات، نستبعد المعطى ونعوّضه من “العينة الاحتياطية”، مشيرا “اعتمدنا على الحلقات النقاشية في ستة أقاليم معنية، لتعميق فهمنا للنتائج الرقمية، علمًا أن المرحلة الكمية شملت جميع جهات وأقاليم المملكة”.
وتابع رئيس المرصد أن تمديد الإعلان يتعلق برغبة المرصد في تطوير مؤشر وطني للرضا الاجتماعي، من خلال مراجعة أفضل التجارب الدولية في هذا المجال. وقد تطلب الأمر ستة أشهر إضافية، إلى جانب التحضير التقني واللوجستي لإصدار التقرير.
أما بخصوص الدول التي تم اختيارها لإجراء الدراسة المقارنة معها، اعتبر كاير أن ذلك نابع من تمثلنا لبلدنا ومستوى تنميته، إذ لم يكن ممكنا مقارنته مع بلدان أقل نموا وبدون تجربة بالمجال، ولهذا تم اختيار دول رائدة في مجال التحويلات النقدية، مثل المكسيك والبرازيل وجنوب إفريقيا.
وأردف كاير أن البحث لم يركز الإيجابيات فقط، بل قدم أيضا توصيات تخص تسهيل الولوج، وتطوير آليات المواكبة الاجتماعية، وإشراك الامتدادات الترابية، وتعزيز التواصل، خصوصًا في المناطق البعيدة والفقيرة. كما أكدنا على أهمية حماية الأسر من المتحايلين الذين يعدونهم بالاستفادة رغم عدم توفر الشروط، أو يعدلون معطياتهم بشكل غير مشروع”.