سيلفي القيوح: الفرق بين وزير ورجل دولة

في زمن الصورة، قد يخطئ البعض ويظن أن السياسة تُختزل في لقطة “سيلفي” أمام رئيس دولة، وأن التمثيل الرسمي للمملكة لا يتطلب أكثر من ذراع ممدودة وابتسامة عريضة بوجنتين حمراويين.
هكذا فعل الوزير عبد الصمد قيوح، حين تحوّل من ممثل رسمي للمغرب إلى “معجب متحمّس” اغتنم اللحظة ليلتقط صورة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وكأننا في مهرجان موازين لا في مناسبة دبلوماسية.
لكن سلوك الوزير أعاد إلى الأذهان سؤالاً أعمق: ما الفرق بين الوزير العابر ورجل الدولة الحقيقي؟. لاشك أن رجال الدولة لا يأخذون الصور، بل يصنعون اللحظات.
ويبدو أن قيوح لم يستحضر وهو يهم بالتقاط “السيلفي” إياه، صورة عبد الهادي بوطالب، الذي مثّل المغرب في مراحل دقيقة من تاريخه، وكان يقف أمام الزعماء العالميين بشخصية من يفاوض لا من ينبهر. والذي لم نره يومًا يبحث عن عدسة أو صورة، بل عن مصلحة البلاد.
كما غاب عنه مثال عبد اللطيف الفيلالي، الوزير الأول ووزير الخارجية الأسبق، الذي التقى رؤساء وملوكا دون أن يُغريه “ألبوم الصور”، بل كان يحمل في ذاكرته خريطة التوازنات الدولية لا البحث عن عدسات المصورين من أجل التباهي.
وليس ببعيد عنا أيضا أمثلة شخصيات مثل محمد بنعيسى، والفاسي الفهري وأحمد عصمان، وعبد الرحمان اليوسفي… رجال، لم يكونوا بلا أخطاء، لكنهم أدركوا أن الكاميرا لا تمنحك وزن رجل الدولة، بل هو يُكتسب بالوقار، بالحكمة، وبالكاريزما التي لا تصنعها الصورة بل الموقف.
قيوح أعطى صورة سلبية عن وزراء باتوا لا يفرّقون بين مهمة رسمية وزيارة سياحية، بين التمثيل الدبلوماسي ومحتوى “النايس پيپل”، بين وقار المؤسسة الملكية و”خفة وزير من سقط المتاع. فأن يتصرف وزير في مهمة رسمية كأنه في “مهرجان كان السينمائي” يؤكد أن السياسة المغربية تحتاج إلى تذكير بسيط: المغرب لا يحتاج وزراء هواة، بل رجال دولة.
ليس مطلوبا من الوزير قيوح أن يتحوّل إلى بوطالب، أو أن يلبس جلباب اليوسفي، لكن على الأقل، كان منتظرا منه أن يُحسن التقدير، أن يُدرك الفرق بين ما يليق برجل يمثل بلداً عمره آلاف السنين، وما يليق بمراهق رقمي يبحث عن تفاعل افتراضي.
الوزير الاستقلالي كان عليه أن يعلم أن صورة واحدة كافية لتُفقد المسؤول وزنًا سياسياً بُني طويلاً. وهفوة صغيرة كسيلفي طائش قد تفضح هشاشة تكوين سياسي كامل، وتُظهر من يصل إلى الحكومة بـ”الصدفة”، لا بالتدرج والاختبار.