خبير: الاعتماد على أسعار الفائدة لمواجهة الاختلالات الخارجية يُشكل خطرًا على الاقتصاد.

مرة أخرى يقرر بنك المغرب مباغثة المستثمرين المؤسساتيين ومخالفة معظم التوقعات التي كادت تجمع على تواصل دورة التيسير النقدي، وانخفاض جديد لسعر الفائدة الرئيسي بـ25 نقطة أساس على الأقل، وهو اختيار يأتي تحسباً لعودة التضخم المستورد من الخارج إثر الاضطرابات الجارية بالشرق الأوسط، لكنه لا يقدم خدمة كبيرة للنشاط الاقتصادي.
والي بنك المغرب خلال ندوته الثلاثاء برر القرار بـ”عدم اليقين” الذي ما يزال يشوب الأوضاع الدولية؛ في إحالة إلى عدم استقرار الأوضاع وتأرجحها بين وقف إطلاق النار واستمرار المناوشات التي تهدد بعودة الحرب وما ينتج عنها من طوارئ اقتصادية.
من جانبه، كان مركز أبحاث “بي إم سي إي كابيتال غلوبال ريسورش” (BKGR) أوضح أنه بالنظر لاستمرار البنك المركزي الأوروبي في سياسة التيسير النقدي، وكذا التضخم المُتحكم فيه بالمغرب، والمصحوب بنشاط اقتصادي دينامي وفي صحة جيدة، يتطلب تمويلًا كبيرًا، فإنه “يُتوقع أن يعمد البنك المركزي إلى خفض سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس”.
لكن الوثيقة ذاتها حذرت من أنه يُمكن للبنك المركزي أن يأخذ في الاعتبار في تحليله للآثار المحتملة لتغير سعر الفائدة الرئيسي، وخاصةً على مستوى التضخم، تداعيات الصراع المسلح الذي اندلع في الشرق الأوسط بين إيران وإسرائيل.
أما الخبير الاقتصادي، ادريس الفينة فاعتبر أن هذا المعدل (2,25 بالمئة) لا يزال مرتفعاً مقارنة بما كان عليه قبل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وانطلاق موجة التضخم العالمي التي شهدها الاقتصاد الدولي خلال الفترة 2022–2023.
وانتقد الفينة قرار الحفاظ على سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير، معتبراً إياه توجها محافظا “بعيداً عن مقتضيات المرحلة الاقتصادية الراهنة”، خاصة مع التراجع الملحوظ في معدل التضخم إلى أقل من 1 بالمئة خلال الشهور الأخيرة.
“في ظل هذه المعطيات، لا يبدو منسجماً استمرار بنك المغرب في نهج سياسة نقدية تقييدية، في وقت يتطلب فيه الاقتصاد الوطني دعماً واضحاً لتعزيز دينامية النمو والاستثمار”. يقول الأستاذ بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي، معتبراً أن سنة 2024 شكلت نقطة تحول في مسار التعافي الاقتصادي، مدفوعة بتحسن ملحوظ في الأداء القطاعي والطلب الداخلي، ومن المرتقب أن تكون سنة 2025 محطة لتثبيت هذا الزخم واستثماره في ترسيخ الثقة، وتحفيز المبادرة الخاصة بمعدل نمو اقتصادي مرتقب يناهز 4,6 بالمئة.
واعتبر أنه في هذا السياق، “كان من الأجدر ببنك المغرب تبني نهج أكثر مرونة، عبر خفض الفائدة إلى ما دون عتبة 2 بالمئة، بما يواكب التوجهات التوسعية للسياسة المالية العمومية، والتي تراهن على تسريع وتيرة الاستثمار العمومي والخاص، وتدعيم القدرة الشرائية للطبقات الوسطى والدنيا، في ظل استمرار التحديات الاجتماعية والضغوط على سوق الشغل”.
وخلص إلى أن أن الاعتماد المفرط على أدوات السياسة النقدية في لجم الاختلالات الخارجية يحمل مخاطر حقيقية على الدورة الاقتصادية، إذ يؤدي إلى كبح الطلب الداخلي، وإضعاف حوافز الاستثمار، وتباطؤ خلق فرص الشغل.
“في المقابل، فإن تفعيل مزيج سياساتي متكامل، يجمع بين الانضباط المالي، والتيسير النقدي، والتدخلات القطاعية الموجهة، من شأنه أن يوفر أرضية صلبة لإقلاع اقتصادي متوازن ومستدام”.