تقييم تحديات تنظيم العمل عن بُعد من خلال مراقبة بيئة العمل: مجلس اعمارة يقوم بجمع المعلومات

وقف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي على التحديات التي تصاحب تقنين العمل عن بعد في التشريع المغربي بالإِشارة إلى صعوبة تدبير عمليات مراقبة وزيارة مفتشي الشغل لمقرات العمل وعدم انفتاح قوانين الحماية الاجتماعية على الأشكال الجديدة للتشغيل بالإضافة إلى صعوبة تنظيم النقابات للعاملين عن بعد والدفاع عن حقوقهم نظرا لصعوبة الحصول على المعلومة الدقيقة.
وأوضح “مجلس اعمارة”، في رأي له حول “الأشكال اللانمطية للتشغيل والعلاقات المهنية: تحديات جديدة وفرص ناشئة”، أن الأشكال اللانمطية للتشغيل تتميز بخصوصياتها التنظيمية، مشيراً إلى أنها “تطرح إشكالات تخرج عن نطاق ما هو مألوف ومعمول به في إطار العمل القار”.
وفي هذا الصدد، أضاف الرأي، الذي اطلعت عليه جريدة “مدار21” الإلكترونية، أن “المكان الافتراضي حل محل المكان المادي”، لافتاً إلى أنه “يتم في هذه الحالة تمديد مدة العمل لتتجاوز نطاق ساعات العمل الاعتيادية، الأمر الذي يجعل عمليات المراقبة وزيارات أماكن العمل المنوطة بالأعوان المكلفين بتفتيش الشغل المادة 533 من مدونة الشغل صعبة الإنجاز”.
وضمن التحديات التي وقف عليها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الصعوبات التي تتعلق بالاستفادة من الحماية الاجتماعية كاملة والحماية من حوادث الشغل، مركداً أن الاستعمال المتزايد لتكنولوجيا الإعلام والاتصال تزيد من مخاطر المساس بالحياة الخاصة للعاملات والعاملين وبحقوقهم الفردية التي تشكل دعامة البناء القانوني لعقد الشغل في العمل القار.
وتابع المصدر ذاته أن نظام العمل المرن الذي يعد من أهم محفزات العمل عن بعد وعبر المنصات، قد يؤدي إلى عدم التقيد بعدد ساعات العمل المحددة قانونا، مبرزاً أنه في قطاع نقل الركاب وتوصيل الطلبيات مثلا، يتم تحفيز العامل للعمل لساعات أطول من أجل كسب مزيد من الأجر.
وفي ما يتعلق بملاءمة الأطر القانونية للحماية الاجتماعية، أوضح رأي “مجلس اعمارة” أنه يلاحظ أن الإطار التشريعي والتنظيمي الحالي للحماية الاجتماعية لا ينفتح بالقدر الكافي نحو استيعاب الأشكال الجديدة للتشغيل، مشيراً في هذا الصدد إلى أن العمل لبعض الوقت الذي لا يستوفي نسبة معينة من الأجر (60 في المئة من الحد الأدنى للأجر) أو من عدد أيام العمل، قد يحرم العامل من الاستفادة من التعويضات العائلية أو معاش التقاعد أو التعويض عن فقدان الشغل.
ولم يغفل رأي المجلس الإشارة إلى تحديات توفير شروط الصحة والسلامة المهنيتين في حال تقنين العمل عن بعد، مؤكداً ضرورة تعزيز شروط العمل اللائق في إطار الأنماط الجديدة للعمل تفاديا لجعل مسؤولية تدبير الوقاية من مخاطر العمل عبر المنصات مثل تقييم المخاطر والتدريب على السلامة والصحة في العمل وتوفير المعدات الوقائية مندرجة ضمن منطقة رمادية، تبقى فيها مسؤولية حفظ الصحة والسلامة على عاتق العاملات والعاملين الذين عادة ما يتمتعون بموارد محدودة.
وفي هذا الصدد، سجل المصدر ذاته أنه على سبيل المثال، يمكن أن تؤدي ساعات العمل الطويلة، والعمل بوضعية الجلوس، في حالة العمل عن بعد والعمل عبر المنصات، إلى خطر الإصابة بالاضطرابات العضلية والإجهاد المرئي والإجهاد المتكرر.
وبخصوص دور الشركاء الاجتماعيين في تجاوز التحديات، لفتت الوثيقة ذاتها إلى أنه مع تزايد الاعتماد على العمل المرن، وانتشار العمل عن بعد والعمل المستقل عبر المنصات الرقمية، أصبح من الصعب على المنظمات النقابية تنظيم هؤلاء العاملات والعاملين والدفاع عن حقوقهم نظرا لصعوبة الحصول على المعلومة الدقيقة، وكذلك نظرا لما تستلزمه ملاءمة دور النقابة مع التغيرات والتطورات في التكنولوجيات الحديثة.
وأوضح المصدر ذاته أنه لا بد من اقتحام التنظيمات النقابية للعالم الرقمي بكل أبعاده من مراسلات إلكترونية ورقمنة الشكايات والملفات المطلبية بالإضافة إلى التواصل الرقمي للوصول إلى الفئات الجديدة.
وأضاف رأي “مجلس اعمارة” أن التحديات التنظيمية المتعلقة بالتمثيل والحوار الاجتماعي تعتبر أكثر حدة بالنسبة إلى العاملات والعاملين عبر الأنترنيت (الذين غالبا ما يتجاوز نطاق عملهم حدود البلدان والقارات، مبرزاً أن هذه الصعوبات تؤثر على إمكانية انضمام هؤلاء إلى المنظمات النقابية أو إنشاء تنظيمات نقابية بغية تمثيل مصالحهم والتفاوض حول مطالبهم الجماعية لتحسين الأجر وظروف العمل.
وانتقد المجلس ذاته تأخر المغرب في مواكبة هذه التحولات على مستوى العلاقات المهنية والتمثيل النقابي، مشيراً إلى أنه يلاحظ أن المبادرات المختلفة على المستوى الدولي لمواكبة تحولات سوق الشغل والعلاقات المهنية والأشكال اللانمطية للعمل لم تجد بعد صداها على الصعيد الوطني.
واعتبر “مجلس اعمارة” أنه من شأن تشجيع المفاوضة الجماعية وإبرام الاتفاقيات القطاعية، في إطار الحوار الاجتماعي، أن يلعب دورا مهما في تأطير كل أشكال التشغيل وتسهيل عملية الانتقال من نظام العمل التقليدي إلى النظام المرن الذي تفرضه علاقات العمل الجديدة المرتبطة بالتحولات الاقتصادية والرقمية.