صحفيون يشاركون تجاربهم مع المعلومات المضللة والصور النمطية عن الصحراء المغربية

في مداخلات أبرزت تجارب شخصية لصحافيين من مختلف القارات كانوا ضحية لخطاب تضليلي وصور نمطية حول الوضع بالأقاليم الجنوبية، كشف متدخلون خلال اللقاء الدولي حول التكامل بين إعلام الجودة والتربية على الإعلام، المنظم من طرف اللجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر، انخداعهم بالكثير من الأفكار المغلوطة، قبل أن يتبينوا الحقيقة خلال زيارتهم إلى المغرب.
الصحافية الإسبانية، باتريسيا مجيد خويس، أبرزت كيف رسم لها صورة نمطية “تُظهِر أن الصحراء منطقة عسكرية مغلقة”، قبل أن تقرر في عام 2012 أن ترى بعينيها، دون وساطة أو مرافقين، لتقرر “المجيء إلى المغرب بمفردي، دون أي بروتوكول، كزائرة عادية”.
وتضيف باتريسيا أنه حين زيارتها للصحراء المغربية كانت المفاجأة: “مواطنون عاديون يعيشون في سلم وأمان، بعيدًا عن ما يُروَّج له من أفكار مغلوطة. أخبرني البعض أن المطار عسكري ومغلق، غير أن ذلك لم يكن صحيحًا. أذكر هذه التفاصيل لأنني كنت ضحية للتضليل الإعلامي”.
وتابعت الصحافية الإسبانية “زرت تندوف، وكان مرافقي من جهاز المخابرات يراقبني باستمرار، بينما في المغرب، تنقلت بحرية تامة، وفعلت ما أردت في إطار احترام القانون، بل وشاركت في حفل زفاف استمر ثلاثة أيام، واكتشفت أن الصحراويين المغاربة يعيشون في أجواء من السلم والاستقرار”.
وأوردت “في الصحراء المغربية، تتوفر المحلات التجارية والصيدليات والمياه، على عكس تندوف، حيث تعاني الساكنة من نقص حاد في المواد الغذائية، وتُستعمل المساعدات القادمة من أوروبا كوسيلة للضغط والسيطرة من طرف عصابة البوليساريو، فلا يرى المواطن منها إلا القليل، ويُمنّ عليه بها. ومن الصعب الحصول حتى على حبة أسبرين واحدة، لأن بعض الجنود يتاجرون في الأدوية المخصصة للمخيمات”.
وواصلت المتحدثة: “رواية البوليساريو تقوم على القمع والترويج لخطاب أحادي، في حين أن قيادة هذه العصابة تطارد أوهامًا وسرابًا، والجزائر تمنع الصحراويين من العودة إلى وطنهم”، و”هناك صحراويون لا يؤمنون بطرح البوليساريو، لأن قادتهم لا يعيشون في الخيام، بل في مبانٍ فخمة، ويتمتعون بكل وسائل الراحة على حساب السكان”.
وكشفت باتريسيا “في العيون، لا وجود لبروتوكول خاص، ويمكن لأي أحد الزيارة بكل حرية. المدينة تشهد نهضة عمرانية واقتصادية، على عكس مدن الرياح والسراب في تندوف. وقد تفاجأت بوجود سلسلة “ماكدونالدز” في العيون، وهي لا تستثمر عادةً في مناطق النزاع، ما يؤكد أن المدينة تنعم بالاستقرار”.
وأوضحت “بعد زيارتي، تأكدت أن الخطاب المروَّج له مغلوط، فبادرت إلى نشر شريطي الوثائقي، وقد اقتنع كثيرون بمضمونه. ولهذا فإن الصحافيون قادرون على تغيير الصورة النمطية نحو الأفضل”، مشددة “تبقى مسؤولية الصحافة أن تلتزم بالموضوعية، لأنها ركيزة من ركائز الأمن والسلام. وهذا السلام حقيقة راسخة في الأقاليم الجنوبية، على عكس ما يروّجه أعداء الوحدة الترابية”.
ضحايا صورة نمطية..
وبدوره، أورد الصحافي السوداني، الصادق إبراهيم أحمد إبراهيم، في مداخلة له حول موضوع “دور الصحافة والتربية الإعلامية في تصحيح الصور النمطية”، تجربته مع الخطاب الذي روج حول الصحراء المغربية، قبل اكتشاف الحقيقة فيما بعد.
وقال الصادق من واقع تجربته: “أنا شخصيًا كنت من ضحايا هذه الصور النمطية، فعندما كنت أسمع عن “مشكلة الصحراء المغربية”، كنت أظن أن هناك مظالم تاريخية حقيقية، وتهميشًا سياسيًا، وفقرًا في القيادة التنموية. وكنت أظن أن من يعبّرون عن وجهة النظر المغربية إنما يقدّمون مجرد رواية رسمية، وأن هناك تيارات سياسية أخرى أو آراءً يجب أن تُسمع”.
وتابع الصحافي السوداني “لكن حين وطأت قدماي أرض المغرب، اكتشفت أن تلك الصورة النمطية غير موجودة، وأن الواقع مغاير تمامًا لما كانت تروّجه وسائل الإعلام الأجنبية أو بعض الأطراف الخارجية”.

وتابع “لماذا تغيّرت هذه الصورة؟ لأن هناك عملًا جادًا بُذل لتصحيحها. الصور النمطية لا يمكن أن تُصحّح ما لم تعتمد الدول المعنية وأصحاب المصلحة على الرواية الصحيحة، وتقدّمها بقوة ومهنية. فالصورة النمطية التي صُمّمت في الغرب، وروّجت لها مؤسسات إعلامية كثيرة، ساهمنا نحن أيضًا كصحفيين وكدول في ترسيخها من خلال الصمت أو التبعية الإعلامية، بدل أن نكون فاعلين في مواجهتها”.
وشدد الصادق على أن “الصحافة الجيدة، والتربية الإعلامية، تواجهان اليوم تحديات كبرى في هذا الإطار. فقد تغيّرت الكثير من مفاهيم العمل الصحفي، وكثير من الصحفيين فقدوا وظائفهم بسبب تراجع الصحافة الورقية، أو بسبب النزاعات والحروب، فلجأوا إلى وسائل التواصل الاجتماعي دون تدريب أو تأهيل أو التزام بمواثيق الشرف الصحفي. وهذا الوضع ساهم في تشويه الصورة الإعلامية”.
وأورد الصادق مثالًا آخر عن تأثير الصورة النمطية، مبرزا “حين كنت في السودان، خلال الصراع مع جنوب السودان، كانت كل وسائل الإعلام الدولية تصوّر الأزمة على أنها صراع بين عرب ومسلمين من جهة، وأفارقة غير مسلمين من جهة أخرى”.
وتابع “في إحدى جولات المفاوضات في كينيا، في التسعينيات، جاء الرئيس الكيني لافتتاح الجلسة، وسأل وهو ينظر إلى الوفدين: “أين العرب؟” — فقد كانت لديه صورة نمطية تقول إن “العرب” أصحاب البشرة البيضاء هم من يشنّون الحرب. بينما كان الجميع أمامه سود البشرة، لا يختلفون في المظهر”.
الصور النمطية.. من الصحراء إلى المكسيك
ومن جهته قال الصحافي المكسيكي، عمر سيبيدا كاسترو، إنه من “الأمثلة الواضحة حول التضليل هو أيضاً ما يجري في الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية، حيث تُنسج الكثير من الأكاذيب من قِبل أطراف مسلّحة ومدعومة، غارقة في إخفاقاتها الذاتية، وأسيرة لإيديولوجيات متجاوزة”.

وتابع سيبيدا إن “أكاذيبهم تهدف إلى خلق أجواء من العنف وعدم الاستقرار، في حين أنّ الواقع على الأرض يقول عكس ذلك تماماً… وهذا ما نراه اليوم في مدينة الداخلة”.
وواصل المتحدث “في المكسيك، نواجه باستمرار هذه النماذج المصوّرة: المكسيكي السمين، ذو القبعة العريضة والشارب الطويل، نائم تحت شجرة صبّار”، مضيفا أنه “لتفكيك هذه الصور النمطية، فإنّ أفضل وسيلة هي السفر، والسير في شوارع العالم، والحديث مع الناس دون أحكام مسبقة أو أقنعة، أو قراءة الكثير من الأدب”.
وشدد على أن “الصحافة تبقى ذات أهمية قصوى، لأنها من أبرز الجسور التي تنقل الواقع، والتجارب، وأصداء المجتمعات، وتسهم، في الوقت ذاته، في تحطيم الصور النمطية التي غالباً ما تكون سبباً في الكراهية والتهميش”.