مشروع في إسطنبول لإصلاح الميزان التجاري مع تركيا

يعتزم المغرب مراجعة اتفاقية التجارة الحرة التي تجمعه بتركيا، وذلك في ظل تنامي العجز التجاري بين البلدين، والذي بلغ حوالي 3 مليارات دولار، مدفوعاً أساساً بالواردات الكبيرة من الأقمشة التركية.
وحسب ما كشفته وكالة “رويترز” نقلاً عن مصدرين مطلعين، فإن عمر حجيرة، الوزير المنتدب المكلف بالتجارة، يستعد للقيام بزيارة رسمية إلى أنقرة، لمناقشة إجراءات تروم تقليص العجز التجاري وتحفيز الاستثمارات التركية في المملكة، بهدف إحداث نوع من التوازن في العلاقات الاقتصادية الثنائية.
الاتفاقية التي وُقّعت بين البلدين سنة 2004 سبق أن خضعت لتعديلات قبل خمس سنوات، شملت فرض رسوم جمركية بنسبة 90% على واردات الملابس والنسيج التركي، من أجل حماية الصناعة الوطنية ومناصب الشغل.
ويشير تقرير “رويترز” أنه رغم ذلك مازالت شركات مغربية تستورد كميات كبيرة من الأقمشة التركية لتلبية حاجيات قطاع النسيج والملابس، ما يساهم في استمرار اختلال الميزان التجاري.
وتأتي هذه التحركات في سياق أرقام رسمية تشير إلى تفاقم العجز التجاري الإجمالي للمغرب بنسبة 22.8% خلال الأشهر الأربعة الأولى من السنة الجارية، ليصل إلى 109 مليارات درهم (حوالي 12 مليار دولار). كما بلغ العجز التجاري للمملكة خلال سنة 2024 نحو 306 مليارات درهم، ليحتل العجز مع تركيا المرتبة الثالثة بعد الولايات المتحدة والصين.
ولم تُصدر وزارة التجارة والصناعة المغربية، حتى الآن، أي توضيح رسمي بشأن هذه الخطوة المرتقبة.
ويرى ياسر الدرويش، الباحث في الاقتصاد، أن المعطيات المتعلقة بالعلاقات التجارية بين المغرب وتركيا تكشف عن عمق الإشكاليات البنيوية التي يعاني منها الميزان التجاري، كما تُبرز تحديات السيادة الاقتصادية، وتسجل في الوقت ذاته فرصاً واعدة إن أُحسن تدبير المرحلة.
وقال الدرويش، في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، إن اتساع العجز التجاري بين المغرب وتركيا، الذي بلغ 3 مليارات دولار، يعكس اختلالاً هيكلياً واضحاً في العلاقات التجارية الثنائية.
وأشار إلى أنه، رغم تعديل اتفاقية التبادل الحر قبل سنوات بفرض رسوم على واردات النسيج التركي، فإن الاعتماد المفرط للمقاولات المغربية على المواد الأولية التركية، خاصة الأقمشة، يُضعف القدرة على تقليص الواردات ويجعل الاقتصاد الوطني عرضة للتبعية. واعتبر أن هذا الواقع يوضح محدودية نجاعة التدابير الحمائية الشكلية في غياب سياسة إنتاجية بديلة داخلية.
ولفت المتحدث إلى أن إقبال الشركات المغربية على الأقمشة التركية رغم الرسوم الجمركية المرتفعة يكشف عن ضعف النسيج الصناعي المحلي، وعجزه عن توفير بدائل تنافسية من حيث الجودة والتكلفة.
وشدد على ضرورة إعادة النظر في السياسة الصناعية للمملكة، لا سيما في القطاعات الحيوية مثل النسيج، التي تُشغّل آلاف اليد العاملة وتمثل رافعة تصديرية واعدة. وقال إن بناء قدرة إنتاجية محلية يتطلب ما هو أبعد من إجراءات تجارية ظرفية، بل يحتاج إلى تحفيز الاستثمار، ونقل التكنولوجيا، والارتقاء بسلاسل القيمة الوطنية.
وأكد الباحث الاقتصادي أن التحرك المغربي لمراجعة الاتفاقية يجب أن يتجاوز منطق تقليص الاستيراد فقط، ليؤسس لنموذج شراكة متوازن يُدرج الاستثمار التركي المباشر في المغرب ضمن أهدافه الرئيسية.
وسجل أن استقطاب الشركات التركية لتوطين وحدات إنتاجية بالمغرب يمكن أن يشكل مدخلاً لإعادة التوازن، وخلق فرص شغل، وتمكين المملكة من تعزيز موقعها كمنصة صناعية وتصديرية نحو إفريقيا وأوروبا، مؤكداً أن المعادلة الجديدة ينبغي أن تكون: “استثمر أكثر.. صدّر أكثر”، وليس فقط “صدّر أقل”.