كاير: غياب التنسيق ألغى تأثير البرامج الاجتماعية السابقة

أكد عثمان كاير، رئيس المرصد الوطني للتنمية البشرية، أن افتقاد البرامج الاجتماعية للأثر المستهدف في السنوات الماضية يعود بالأساس إلى تشتت البرامج وغياب الالتقائية، مشددا على أن المغرب انتقل من مقاربة تنظيم الفقر إلى القضاء على الفقر بفتح أوراش اجتماعية كبرى مبنية على استراتيجية واضحة المعالم والأهداف.
وأوضح كاير، أثناء حلوله ضيفا على برنامج “مع الرمضاني” الذي بث مساء أمس الأربعاء على القناة الثانية، أن إشكال غياب الأثر عن البرامج الاجتماعية في الماضي “هو سؤال مقاربات وهندسة السياسات الاجتماعية، لأننا كنا نتوفر على مجموعة من البرامج المشتتة والمتفرقة، ولم تكن هناك التقائية بين هذه البرامج وعقلنة للموارد، ولم يكن الربط بين الأهداف التي تريد الدولة تحقيقها والأهداف الشمولية للتنمية البشرية والتنمية الاجتماعية”، مردفا “لا يكفي صرف موارد أو تخصيص اعتمادات مالية دون ربطها بتحقيق أهداف التنمية”.
وتابع شارحا “الإشكال كان أن هذه البرامج تأسس كل واحد منها على حدة في سياق تاريخي معين”، مستطردا “لكن اليوم أقول إن لدينا هندسة اجتماعية جديدة للسياسات الاجتماعية، لأنه لأول مرة في بلادنا، بفضل الرؤية الملكية، لدينا أجندة واضحة لتنفيذ الإصلاحات الاجتماعية، وأهداف مرقمة يجب علينا بلوغها، وهناك أيضا أهداف التكامل واندماج هذه البرامج”، موضحا “إذا أخذنا الدعم الاجتماعي المباشر مثلا فهناك ربط بين المساعدات المالية التي تقدم للأسر ومتابعة الدراسة، وأيضا في منحة الولادة هناك ربط مع تتبع صحة الأم والجنين، وهذا الربط والتكامل الذي كان ينقصنا في الماضي”.
وذكر بأن الإشكال في الماضي أننا كنا “نقوم بإدارة الإشكالات الاجتماعية، واليوم ندبر الإشكالات الاجتماعية، لأن هناك فقر بين تنظيم الفقر والقضاء على الفقر، وهذا هو التحول الكبير الذي اليوم تشتغل عليه بلادنا على مستوى المقاربة”، مشددا على أن الأساسي اليوم هو “ترصيد المجهود العمومي المبذول من خلال ورش الدولة الاجتماعية، وأن نمكن المواطنين في وضعية هشاشة أو فقر أو عوز اجتماعي من أن يكونوا فاعلين في المجتمع من خلال ولوج سوق الشغل، والتشغيل الذاتي، وإحداث مقاولات أو تعاونيات في إطار الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، لنقلهم من وضعية الهشاشة والفقر”.
وشدد على أن “أي عمل تنموي أو مشروع تنموي أو ورش تنموي هو مشروع تراكمي، أي يمتد في الزمن، وبالتالي ورش الدولة الاجتماعية هو عنوان مرحلة أساسية وتأسيسية للرؤية الاستراتيجية لمغرب 2030 وما بعدها، والتي طبعا ستأتي برامج أخرى مكملة، وسيتم تطوير البرامج الحالية بناء على مخرجات والخلاصات التي ستظهر خلال المرحلة الأولى من تنفيذها”.
وأشار رئيس المرصد الوطني للتنمية البشرية إلى أن المغرب ليس من البلدان التي تتوفر على موارد طبيعية أو مالية كبيرة، مؤكدا أن ذلك “يفرض بدرجة أساسية عقلنة الموارد المتوفرة”، مبرزا أن “منظومة الدولة الاجتماعية كما تصورها الملك وكما تنفذ اليوم من خلال مجموعة من البرامج، تهدف بدرجة أولى إلى إعادة تنظيم حقل السياسيات العمومية الاجتماعية، سواء من خلال تحقيق الالتقائية بين مجموعة من البرامج”، مستدلا على ذلك بأن أثر وحمولة وعدد المستفيدين من برنامج الدعم الاجتماعي المباشر لوحده يفوق العشرات من البرامج السابقة.
ويرى المتحدث أن السياق الحالي يفرض “ضرورة مضاعفة مجهود التتبع والتقييم للبرامج الاجتماعية، لأنه اليوم كل المغاربة، وعلى رأسهم الملك، لا يريدون انتظار 10 أو 15 سنة لاكتشاف أن إصلاحا ما فشل أو لم يحقق أهدافه”، مشددا على أن “الهدف من المقاربات والمناهج والوسائل الجديدة التي يطورها المرصد الوطني للتنمية البشرية على مستوى تتبع وتقييم السياسات العمومية تحقيق تتبع لصيق بمختلف البرامج لإرساء آلية عمومية لدعم القرار في هذا المجال”.
ولفت في السياق ذاته إلى أن تقييم وتتبع السياسات العمومية في السياق الحالي “لا ينبغي أن يبقى كما كان في الماضي، على اعتبار أنه لدينا سياق دستوري جديد يحث ويركز على المشاركة المواطنة والديمقراطية التشاركية، ولدينا دستور ينص على حزمة من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية”، مؤكدا أنه بناء على ذلك “فحتى تصورنا للتتبع والتقييم لا ينبغي أن يظل فقط محصورا في إحصاء حجم الاعتمادات والإنجازات على مستوى البنايات والمؤسسات، رغم أن هذه العناصر مهمة وتؤكد الإرادة السياسية للسلطة التنفيذية في إنجاز وتنزيل هذه البرامج”.
وفي هذا السياق، كشف كاير أن المرصد الوطني للتنمية البشرية اشتغل خلال السنة الماضية على تطوير مؤشر وطني للرضا الاجتماعي، كاشفا أنه تم تجريبه على برنامج الدعم الاجتماعي المباشر، وسيصدر في الأيام المقبلة.
وأبرز أن الهدف من مؤشر الرضا الاجتماعي أن “نرى؛ بالإضافة إلى المعطيات الكمية والإحصائية والتي على أرض الواقع وعلى مستوى المنجزات التي يراها المواطنون، هل ذلك المنجز العمومي يلبي احتياجات المواطنين”، مؤكدا أنه “سيمكننا أيضا من الانتقال من مقاربة تركز على صياغة السياسات العمومية في المركز وتنزيلها وانتظار النتائج بفارق زمني، إلى ربح الوقت لبلادنا وللسلطات العمومية”.
وأوضح أن المؤشر الجديد سيمكن أيضا من “التعرف على تمثلات المواطنين لمختلف البرامج الاجتماعية وتأثيرها المباشر على حياتهم، لنمكن صانع القرار العمومي من الوسائل لتطوير هذه البرامج.
وكشف كاير أن مؤشر الرضا الاجتماعي يرتكز على 3 محاور أساسية هي الولوج والشفافية وأثر البرامج، مشيرا أنها محاور “تمكن المواطنين من التعبير عن رأيهم بهذا المنطق ثلاثي الأبعاد، والذي سنعممه على مختلف البرامج المشكلة لورش الدولة الاجتماعية مستقبلا”.
وبخصوص تأخر المغرب في مؤشر التنمية البشرية العالمي، أوضح عثمان كاير أن هذه المؤشرات كمية بطبيعتها وتعتمد على مكونات الصحة والتعليم والناتج الداخلي الخام التي تتأثر بمجموعة من العوامل، مشيرا إلى أن المغرب تحسن فعليا في هذه المؤشرات خلال السنتين الأخيرتين، وانتقل في تصنيف 2025 إلى فئة الدول ذات التنمية البشرية المرتفعة لأول مرة بعدما كان يقبع منذ الاستقلال في فئة الدول ذات التنمية البشرية المتوسطة.
وعن التفاوت بين النبرة المتفائلة للخبراء ونبرة بعض السياسيين المتشائمة، أكد كاير أن كلها آراء موضوعية، وأن الواقع يشهد بوجود تقدم في مؤشرات التنمية إلى جانب استمرار التفاوتات المجالية والاجتماعية التي يجب التركيز على معالجتها مستقبلا.