بنعضرا: تأثير رحلات الحج على الأبحاث التاريخية والثقافية في المغرب

بنعضرا: تأثير رحلات الحج على الأبحاث التاريخية والثقافية في المغرب

اعتبر عبد الواحد بنعضرا، الباحث في التاريخ، أن نصوص الرحلات إلى الحج، تشكل من الناحية الأكاديمية، مصادر مهمة لمجموعة من الحقول العلمية على رأسها علم التاريخ، من أجل دراسة العلاقات بين المشرق والمغرب والصلات الثقافية بينهما، فضلا عن دراسة تاريخ الذهنيات.

وأوضح عبد الواحد بنعضرا وهو أكاديمي مهتم بنصوص الرحلات، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن الرحلة بصفة عامة والرحلة الحجية بصفة خاصة تكاد تشكل ملتقى مختلف التخصصات ونقطة تقاطعها، معتبرا أن الرحلة الحجية أغنت فعلا جنس الرحلة في المغرب.

ومضى الباحث قائلا في ذات السياق “نلاحظ اهتماما كبيرا من جانب المؤرخين بالرحلات الحجية تحقيقا ودراسة إلى جانب باقي التخصصات الأخرى”.

وفي هذا الصدد سجل بنعضرا أن الرحلات الحجية أغنت “أدب الرحلة” في المغرب، “إذ ترك لنا العديد من الحجاج المغاربة نصوصا تعد بالمئات وليس العشرات فقط”، مشيرا إلى أن “عددا لا بأس به من الرحلات ما زال مخطوطا، ناهيك عن المفقود من الرحلات الذي لم يصلنا”.

وأضاف الباحث أن هذه النصوص الرحلية “تتميز بالتنوع سواء في طبيعتها أو في القضايا التي تناولتها، فإلى جانب القواسم المشتركة بينها، هناك اختلافات ناتج بعضها عن تطور الزمن، نلحظ ذلك بشكل كبير في تطور وسائل النقل.. وبعضها ناتج عن طبيعة الرحالة نفسه، فهناك من كان مهتما بتلقي العلم والحصول على إجازات علمية، وهناك من كان لا يرغب إلا في أداء الحج والعودة إلى بلده”.

ولاحظ أنه “أكثر من ذلك، ساعدت الرحلات الحجية السابقة المؤلفين اللاحقين من خلال توفير مادة استند عليها هؤلاء لكتابة رحلاتهم، مما أسهم في هذا العدد الضخم من الرحلات الحجية المؤلفة من قبل المغاربة”.

وسجل بنعضرا أن “متن الرحلات الحجية يشكل النسبة الأكبر بين باقي الرحلات، لذلك يمكننا القول إن الرحلات الحجية أغنت فعلا جنس الرحلة في المغرب”.

وأشار من جانب آخر إلى أنه “بالنسبة للمجتمع يمكن للإقبال على قراءة الرحلات الحجية مساعدة القراء على اكتساب معرفة كبيرة بالحج وطرقه في الماضي البعيد والماضي القريب”، مضيفا أنه “مع تنوع المسالك الحجية بين برية وبحرية (وجوية اليوم) يجد القارئ أمامه مائدة متنوعة الأطباق والأصناف سواء على مستوى تطور طرق الحج، أو على مستوى العلاقات الثقافية بين المغرب والمشرق”.

وتابع في ذات السياق، أن “الإقبال على قراءة الرحلات الحجية، يمكن من التعرف على مجموعة من الأعلام المغاربيين والمشارقة الذين التقى بهم الحجاج المغاربة وتلقوا العلم عن بعضهم”، كما أنه يمكن من “التعرف على حياة الناس في مجموعة من المناطق التي مر منها ركب الحجاج المغاربة”.

وفي هذا الصدد أشار الباحث إلى أنه بإمكان القارئ “الاستفادة من مواضيع كثيرة وقضايا هامة تناولها الحجاج مثل قضية الحجر الصحي”، معتبرا أن “للرحلات الحجية بالمجمل دور كبير في مساعدة القراء على فهم جزء من الماضي والتطور الذي حصل”.

وردا على سؤال حول المكانة التي احتلتها الرحلة الحجية لدى المغاربة، قال بنعضرا إن “المغاربة يتوقون للقيام برحلة الحج نظرا لكونها شعيرة دينية لها خصوصيتها، ومناسبة لزيارة الحرم النبوي لما هو معروف من تعلق المغاربة بنبي الإسلام”، مضيفا أنه “مع بعد المسافة بين بلدهم والحجاز كان شوق المغاربة كبيرا لزيارة تلك الديار”.

وأشار الباحث إلى أن هذا الأمر “أسهم في إنقاذ مجموعة من الكتب التي أ لفت في المشرق؛ والتي لم يصلنا منها اليوم إلا مخطوطة واحدة احتفظت بها خزانات المغرب.. وإلا كان مصيرها الضياع للأبد..”، مستحضرا على سبيل المثال لا الحصر، “كتاب الجاحظ “البرصان والعرجان والعميان والحولان” الذي أنقذ بفضل مخطوطة وحيدة فريدة وجدت في المغرب”.

ولاحظ من جهة أخرى أن الحج “شكل فرصة لبعض المغاربة للإقامة بعد الحج في المشرق ففضلا عمن جاور بمكة لمدة معينة هناك من تنقل في مناطق أخرى واستقر في إحداها.. وفضلا عن ذلك كان الحج، خاصة في بداية القرون الوسطى، فرصة لتلقي العلم، فقد كان مما يرفع مكانة الفقيه أن يكون قد رحل إلى المشرق وتلقى العلم عن فقهائه”، مشيرا إلى أنه بالإضافة إلى كل ما سبق “كان الحج فرصة لبعضهم لممارسة التجارة”.

وبخصوص سبل الاستفادة اليوم من موروث الرحلات الحجازية بالمغرب اعتبر بنعضرا أن “أول ما يتبادر إلى الذهن استفادة بيداغوجية”، من خلال “تمكين المتعلمين في الثانوي التأهيلي من قراءة بعض النصوص الرحلية الحجية في إطار القراءة الحرة.. ومن الممكن توفير طبعات خاصة مختصرة مناسبة لسن المتعلمين”.

تجدر الإشارة إلى الباحث عبد الواحد بنعضرا مختص في التاريخ الأندلسي، حاصل على الدكتوراه في التاريخ الوسيط، له مساهمات علمية عديدة ومؤلفات من بينها كتاب: “رحلة الصفار التطواني إلى فرنسا بين تمثلات المؤلف ورهانات ليون روش” (2019) وكتاب “معركة العقاب ومصير المسلمين في الأندلس” (2024).