قانون التنفيذ: تطبيق أحكام الفقرتين (1) و(2) من المادة (22) بعد أيام.. ما الدلالات؟

مدار الساعة – كتب المحامي محمد نبهان – تشهد المملكة الأردنية الهاشمية نقلة نوعية في فلسفة حبس المدين والإكراه البدني، مع اقتراب موعد سريان أحكام جديدة تُعيد صياغة المشهد التنفيذي. فمع حلول الخامس والعشرين من حزيران عام 2025، تُصبح أحكام البندين (1) و(2) من الفقرة (و) من المادة (22) من قانون التنفيذ سارية المفعول، لتُرسي بذلك قواعد جديدة في التعامل مع الإكراه البدني، مما يثير تساؤلات جوهرية تتطلب تعميقاً وتحليلاً من المختصين والجمهور على حد سواء.يشير نص المادة القانونية ذات الأثر البالغ إلى أنه “لا يجوز حبس المدين إذا عجز عن الوفاء بالتزام تعاقدي باستثناء عقود إيجار العقار وعقود العمل” (البند 1)، وتوضح أن “تسري أحكام البند (1) من هذه الفقرة بعد مرور ثلاث سنوات على تاريخ نفاذ أحكام هذا القانون” (البند 2). وبما أن القانون قد دخل حيز النفاذ في الخامس والعشرين من حزيران عام 2022، فإن هذا التاريخ يعني أن المملكة على وشك أن تشهد رفعاً فعلياً لحالة الإكراه البدني عن معظم الالتزامات التعاقدية، في خطوة تهدف إلى تحديث المنظومة القانونية وتخفيف الأعباء الاجتماعية عن الأفراد.وفي تطور لافت، أفادت مصادر مطلعة أن الأوراق التجارية قد أصبحت خارج نطاق الحبس بموجب التفسير الجديد. وتأتي هذه المعلومات في ظل جدل قانوني واسع حول ماهية “الالتزام التعاقدي”، وما إذا كان يشمل الأوراق التجارية والسندات التنفيذية التي تُعتبر سندات دين في القانون. ووفقاً لهذه المصادر، فقد استقر الرأي، بعد مداولات مكثفة داخل الأروقة المعنية، على اعتبار الأوراق التجارية، مثل الكمبيالات والشيكات، والسندات التنفيذية، التزاماً تعاقدياً في جوهرها، مما يعني أن فلسفة التعديل ستشملها بشكل مباشر.هذا التفسير يحمل في طياته دلالات عملية عميقة. فعلى الرغم من أن قانون التجارة يصنف الأوراق التجارية ضمن خانة الأوراق القابلة للتداول، إلا أن روحها ومضمونها الأساسي ينبعان من التزام تعاقدي سابق. فالشيك، على سبيل المثال، هو في حقيقته أداة وفاء ناشئة عن علاقة تعاقدية بين الساحب والمستفيد، أو هو ضمان لدين تعاقدي. وكذلك الحال بالنسبة للكمبيالة والسند لأمر، فجميعها تعكس إرادة تعاقدية بإنشاء التزام مالي في مرحلة سابقة. ولذلك، فإن هذا التفسير الموسع، الذي يرى في الأوراق التجارية والسندات التنفيذية التزاماً تعاقدياً، يتناغم بشكل وثيق مع الفلسفة التي يرمي إليها التعديل الجديد: الحد من الإكراه البدني كأداة رئيسية لتحصيل الديون، والتركيز بدلاً من ذلك على التنفيذ المالي والمدني القائم على الأصول.الآثار المترتبة على هذا التفسير القانوني بالغة الأهمية على المشهد القانوني والاقتصادي في الأردن. أولاً، سيتم رفع الإكراه البدني عن الالتزامات الناشئة عن الأوراق التجارية ابتداءً من الخامس والعشرين من حزيران 2025. هذا يعني أن المدين الذي يعجز عن الوفاء بالتزام ناتج عن ورقة تجارية أو سند تنفيذي لن يتعرض للحبس، طالما أن دينه لا يندرج تحت الاستثناءات الواضحة المتمثلة في عقود إيجار العقار وعقود العمل.ثانياً، سيؤدي هذا التغيير إلى تحول جذري في استراتيجيات تحصيل الديون. سيتعين على المحامين والدائنين على حد سواء إعادة تقييم الأساليب المتبعة، حيث سيتراجع الاعتماد على الحبس كوسيلة ضغط أساسية، وسيزداد التركيز على الإجراءات التنفيذية المالية. هذا يشمل، على سبيل المثال لا الحصر، إجراءات الحجز على الأموال المنقولة وغير المنقولة، وبيع الأصول، والحجز على الحسابات البنكية، وهي إجراءات تتطلب كفاءة وسرعة في التنفيذ لضمان حقوق الدائنين.ثالثاً، من المتوقع أن يزداد الطلب على الضمانات البديلة. في ظل غياب عامل الإكراه البدني، قد يلجأ الدائنون إلى طلب ضمانات عينية (مثل الرهون العقارية أو رهن المنقولات) أو ضمانات شخصية (مثل الكفالات) لتعزيز ثقتهم قبل منح الائتمان أو الدخول في التزامات مالية كبيرة. هذا سيؤثر على هيكل المعاملات التجارية والمالية.رابعاً، سيؤثر هذا التعديل على ثقافة الإقراض والائتمان بشكل عام في السوق الأردني. من المتوقع أن يدفع هذا التعديل باتجاه مزيد من التدقيق في الملاءة المالية للمدين وقدرته الحقيقية على الوفاء بالتزاماته قبل منحه الائتمان، مما قد يساهم في بناء نظام ائتماني أكثر استدامة وأقل عرضة للمخاطر. هذه الخطوة تعكس أيضاً اتجاهات عالمية تسعى إلى “إزالة تجريم” الديون غير الاحتيالية.في الختام، يمثل هذا التحول القانوني خطوة مهمة نحو تحديث الإطار التشريعي الأردني، بما ينسجم مع المبادئ الحديثة التي تسعى لحماية حقوق المدين، مع الحفاظ على حق الدائن في استيفاء دينه. إنه يدفع بالمهنيين القانونيين إلى التفكير خارج الصندوق، وإلى تطوير أدواتهم القانونية بما يتناسب مع هذا التعديل الجوهري وآثاره المتوقعة على جميع الأطراف المعنية في المجتمع. إن الوعي الكامل بهذه التغييرات يعد أمراً حاسماً لضمان تطبيق سليم وفاعل لهذا النص القانوني الجديد.