الكناني تكتب: ولاء متجدد وإرث خالد

الكناني تكتب: ولاء متجدد وإرث خالد


مدار الساعة – كتبت الدكتورة ريم الكناني (عميد شؤون الطلبة – جامعة عجلون الوطنية): يطلُّ شهر حزيران على الأردنيين كل عام حاملاً معه نسمات الفخر والعزة، إذ تتجدد فيه ثلاث محطات وطنية خالدة تعكس مسيرة دولة بُنيت بالكرامة، وتقدمت بالحكمة، واشتدت عزمًا بتلاحم قيادتها الهاشمية وشعبها الوفي. في التاسع من حزيران يحتفل الأردنيون بعيد الجلوس الملكي، ويليه في العاشر من الشهر ذاته يوم الجيش وذكرى انطلاق الثورة العربية الكبرى، وهي مناسبات لا تمثل مجرد أحداث في الروزنامة الوطنية، بل محطات للوقوف على عُمق الإنجاز، ورسوخ الانتماء، ومتانة العلاقة التي تجمع الشعب بقيادته. في عيد الجلوس الملكي، نستحضر تسلُّم جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين – حفظه الله – سلطاته الدستورية في التاسع من حزيران عام 1999، خلفًا لوالده المغفور له الملك الحسين بن طلال، طيب الله ثراه. ومنذ ذاك اليوم، انطلقت مسيرة جديدة من البناء والتحديث بقيادة شاب مؤمن بقدرات شعبه، وحالم بمستقبل أكثر إشراقًا لوطنه. فكان الإنسان الأردني دومًا في صدارة أولوياته، يقود مشروعًا إصلاحيًا شاملاً، يستند إلى قيم العدالة والشفافية والانفتاح، ويهدف إلى ترسيخ دولة القانون والمؤسسات.خلال أكثر من عقدين، أثبت جلالة الملك أن القيادة ليست موقعًا بل رسالة. فشهد الأردن في عهده تطورًا ملحوظًا في البنية التحتية، والتعليم، والصحة، والتكنولوجيا، وتمكين المرأة، وتعزيز دور الشباب، إلى جانب تقدم ملموس في التحول الرقمي والخدمات الإلكترونية. كما شهدنا حراكًا سياسيًا مدروسًا من خلال لجان ملكية شكلت خارطة طريق للإصلاح السياسي، ودعم الحياة الحزبية، وتعزيز التعددية السياسية ضمن أطر دستورية.وما يميّز جلالته، قربه من الناس، وحرصه على التماس نبض الشارع الأردني، من خلال زيارات مفاجئة للمؤسسات، ومتابعة ميدانية لقضايا المواطنين، وتوجيه مبادرات نوعية تمسّ حاجات المجتمع الأساسية، في التعليم والصحة والتنمية. هذه العلاقة التفاعلية بين القائد وشعبه تعكس إيمانًا راسخًا بأن المواطن شريك أصيل في بناء الوطن.وعلى المستوى الإقليمي والدولي، برز صوت الأردن بقيادة جلالته صوتًا للاتزان والحكمة، حاملاً لواء الدفاع عن القضية الفلسطينية والوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، ومؤكدًا على أهمية الحوار والتعاون بين الشعوب. ورغم ما يحيط بالأردن من تحديات، فقد نجح في ترسيخ مكانته، بفضل سياسة خارجية متزنة ومواقف مبدئية تعكس عمق الإرث الهاشمي.وفي العاشر من حزيران، يحتفي الأردنيون بيوم الجيش العربي؛ المؤسسة التي تشكّل عماد السيادة وأحد أبرز عناوين الكرامة الوطنية. هذا الجيش الذي خرج من رحم الثورة العربية الكبرى، وبقي وفيًا لرسالته النبيلة، وحاميًا للحدود والكرامة، لم يتردد يومًا في تلبية نداء الوطن، وكان حاضرًا في كل مفصل تاريخي، حاميًا للسلام، وداعمًا للحق، وفاعلًا في ميادين البناء كما في ساحات النصر.كما تحلّ في هذا اليوم ذكرى انطلاق الثورة العربية الكبرى عام 1916، تلك الثورة التي غيّرت مجرى التاريخ العربي، وقادها الشريف الحسين بن علي على قاعدة الحرية والكرامة والوحدة. وجاءت الدولة الأردنية استمرارًا لهذه المبادئ، حيث حمل الهاشميون راية البناء والتحديث، من الملك المؤسس عبدالله الأول، إلى الحسين الباني، وصولًا إلى الملك عبدالله الثاني، لتبقى جذوة النهضة مشتعلة، والكرامة محفوظة.لقد تميّز الأردن، وسط بيئة إقليمية مضطربة، بتماسكه الوطني، وثقة شعبه بقيادته، ووعيه بأهمية الحفاظ على منجزات الدولة ومكتسباتها. هذا التلاحم لم يكن وليد أزمة، بل هو ثمرة تاريخ من الإيمان المتبادل والاحترام العميق، والعلاقة المتجذرة التي تربط الأردنيين بعرشهم الهاشمي.فالهوية الأردنية لم تتشكل صدفة، بل عبر تفاعل غني بين الإرث التاريخي والبيئة الاجتماعية، فصارت رمزًا للمواطنة والانتماء والتسامح، بعيدة عن الغلو، رافضة للتطرف، قائمة على التعددية والوحدة في آنٍ معًا. وكلما اشتدت التحديات، أثبت الأردنيون أنهم قادرون على تجاوزها بوعيهم، وتلاحمهم، وإيمانهم بأن الوطن يستحق التضحيات.وها هو الأردن، بقيادته الهاشمية وشعبه الوفي، يقف اليوم أكثر صلابة، وأشد عزيمة، يُجدد العهد مع كل حزيران، ويُعيد التأكيد بأن رايته ستبقى مرفوعة، وأن مسيرته مستمرة بثقة وإرادة، نحو مستقبل يليق بتاريخ هذا الوطن المجيد.كل عام والأردن بخير، ورايته خفّاقة في سماء المجد، وقيادته وشعبه وجيشه في عز ورفعة.