البلاونة يكتب: من قدر محدد إلى مصير نخلقه بأنفسنا.. تأملات حول حرية الاختيار

البلاونة يكتب: من قدر محدد إلى مصير نخلقه بأنفسنا.. تأملات حول حرية الاختيار


مدار الساعة – كتب محمود العمارات البلاونة:في حال الواقع، الإنسان يتقلب بين الإيمان بسلطان القدر وبين الانعتاق من دوائر الحتمية وبين من يرى في الحياة مسرحاً مكتوباً سلفاً بحبر الغيب، ومن يرى نفسه مالكاً للقلم يخط سطور أيامه كما يشاء فهل نحن أسرى قدر لا يرد، أم أننا في لحظات الوعي والتمرد نستطيع أن ننتزع القلم من القدر ونكتب مصيرنا بمداد الإرادة؟إن الاعتقاد بأن الحياة مرسومة مسبقاً يهب النفس طمأنينة موهومة ويعفي العقل من مشقة التفكير وعبء اتخاذ القرار ،لكنها في الوقت ذاته تغتال روح المبادرة وتخدر الإرادة وتقصي الإنسان عن دوره الأصيل كفاعل لا مفروض عليه ؛ فالاستسلام لفكرة القدر المطلق قد تحول الإنسان إلى متفرج في مسرح حياته لا بطلاً يواجه ويختار ويخفق وينجح ويخطئ ويتعلم.لكن ماذا لو كان القدر مساحة مفتوحة للتفاعل لا إطاراً مغلقاً ؟ ماذا لو كان القدر أشبه بالورقة البيضاء التي يسلم القلم فيها للإنسان ليخط فيها إرادته ضمن حدود الزمن والظروف ؟ إن السؤال الحقيقي لا يكمن في نفي وجود القدر انما في فهم طبيعته: هل هو قدر مغلق أم مفتوح ؟ هل هو قيد أم فرصة ؟ وهل للإنسان دور سوى أن يسلم زمام ألامور؟هنا تظهر قيمة الاختيار ، فحرية الانسان لا تكمن في غياب كل حدود القدر انما في كيفية التفاعل معه ، لانه لا يختار اين يولد ولا كيف يموت لكن يملك المسافة بين الميلاد والموت ، فيها يختار الاتجاه ويتحمل التبعات؛ تلك مسافة تجلي حريته : بغرس بذرة المعنى .إن انتزاع القلم ليس تمرد على الغيب هو اعلان عن الوجود، لحضة استبصار تشرق بالقدرة والمسؤولية امام النفس، إدراك ان الإنسان ليس فقط ما وُهب، انما ما سعى إليه وأن سؤال من اكون؟ يجاب بما اخترت ان اكون عليه.وأجمل ما في الإنسان أنه ليس نص مكتمل ولا صفحة مطوية، هو مسودة مفتوحة على الاحتمال تعاد مراجعتها مع كل خيار ويعاد تحريرها مع كل موقف، كأنه في كل لحظة يراجع ذاته ليصوغها من جديد.وفي النهاية، لسنا معنيين بمحو القدر بل بمصادقته، أن نحيا في المساحة التي وهبت لنا لا خائفين من ظلاله انما ايماناً اننا جزء من نسيجه ؛ حينها فقط نكون قد انتزعنا القلم ليس لمعارضته، للشهود على ولادته ومشاركين في بعض سطوره.