عتوم يكتب: مشاريع هامة… من الناقل الوطني إلى التحول الرقمي – بقلم: سهيل راضي عتوم

عتوم يكتب: مشاريع هامة… من الناقل الوطني إلى التحول الرقمي – بقلم: سهيل راضي عتوم


في وسط الاضطرابات الاقتصادية والجيوسياسية؛ تسعى المملكة من خلال رؤية التحديث والإصلاح الاقتصادي المستهدفة حتى عام 2029 إلى تعزيز مسار النمو الاقتصادي وتنويعه، وتعزيز القطاع الخاص وجذب الاستثمارات الأجنبية وبناء اقتصاد أكثر صلابة واستدامة؛ فلم تعد السياسات الأردنية تقتصر على الحلول الآنية لمعالجة الأزمات، بل انتقلت إلى نهج استراتيجي طويل الأمد يقوم على التخطيط الممنهج، وتنويع مصادر الدخل، وتوسيع دور القطاع الخاص. وبهذه الرؤية، باتت المملكة تتحرك بخطوات عملية وتطبيقية نحو تعزيز بيئتها الاستثمارية وتوسيع قاعدة الإنتاج، مع التركيز على مشاريع كبرى ذات أثر مباشر على المواطنين، مثل مشاريع الأمن المائي، والطاقة المتجددة، والبنية التحتية الرقمية. هذه الجهود، التي توازيها إصلاحات تشريعية ومالية، تعكس قناعة الدولة بأن التنمية الحقيقية تتحقق عبر مشاريع استراتيجية قادرة على مواجهة التحديات وتحويلها إلى فرص، وهو ما ظهر بوضوح في النمو الملحوظ للاستثمارات، واستقطاب التمويلات الدولية، والبدء بتنفيذ مشاريع وصفت بأنها “مغيرات لقواعد اللعبة” في مسار الاقتصاد الوطني. فعلى سبيل المثال؛ ينظر إلى مشروع الناقل الوطني لتحلية مياه البحر الأحمر ونقلها إلى عمان كخطوة محورية في معالجة أزمة شح المياه، المشروع الذي يمتد على مسافة 445 كم، سينتج نحو 300 مليون متر مكعب سنويا بحلول عام 2030، أي ما يغطي نحو ثلث الاحتياجات الوطنية من مياه الشرب، معتمدا على الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء، ما يدعم كفاءة واستدامة الطاقة والبيئة.لقد حصل المشروع على تمويل دولي يتجاوز 2 مليار دولار من جهات مانحة ومؤسسات تمويلية كبرى، كالبنك الدولي والإتحاد الأوروبي وهولندا وغيرهم، بالإضافة إلى دعم محلي من البنك العربي، ما يعكس أهميته الاستراتيجية. من جهة أخرى، نفذ الأردن مشاريع طاقة شمسية كبيرة مثل محطة “بينونة” بسعة 200 ميجا وات تغطي 4 % من استهلاك الكهرباء، إضافة إلى “شمس معان” بسعة 160 ميجا وات وتنتج ما يعادل طاقة 83 ألف منزل عبر طاقة الشمس والرياح. كما وزادت المملكة مساهمة الطاقة المتجددة في مزيج الكهرباء إلى نحو 28%، ويشمل إنتاج الهيدروجين الأخضر بكمية بين 500–600 ألف طن سنويا. ويدعم الأردن مشروع الهيدروجين الأخضر في منطقة العقبة عن طريق الشراكة مع مجموعة “فورتسكو ماتلس جروب”، وتمديده حتى 2026 لتسهيل جذب الاستثمارات. علاوة على ذلك، أقرت الحكومة قوانين جديدة لتنظيم الكهرباء والغاز للطاقة النظيفة، تشمل تخزين الطاقة وتوليد الطاقة الذاتية، بهدف تعزيز المنافسة وتقليل التكاليف.وبالنظر إلى مشاريع الرقمنة وتكنولوجيا المعلومات؛ استهدفت المملكة رقمنة 80% من الخدمات الحكومية منذ العام 2021، عبر حوسبة الحكومة وإنشاء البنية التحتية الرقمية، مما ساهم في مضاعفة المعاملات الرقمية الحكومية ثلاث مرات بين 2022 وأوائل 2024. أيضا، تستضيف المملكة أكثر من 354 شركة في منطقة الملك الحسين للأعمال بتوفير ما يزيد عن 7 آلاف وظيفة، مع خطط توسعة ضخمة استعدادا لاستيعاب مزيد من الشركات الابتكارية في القطاع التكنولوجي. كما ووقع الأردن مذكرة تفاهم بين وزارة الاقتصاد الرقمي ووكالة التحول الرقمي اليابانية لتبادل الخبرات والتعاون في مجالات مثل: الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والبلوك تشين، والدفع الإلكتروني، والبيانات الكبيرة، بهدف دعم الابتكار. وعملت الحكومة على دعم إنشاء مدن ذكية مستدامة، حيث خصصت الحكومة لوزارة الاقتصاد الرقمي والاستثمار لعام 2025 ميزانية بنحو 31.7 مليون دينار لدعم التحول الرقمي، منها 13.4 مليون لبرنامج الحكومة الإلكترونية.وعملت الحكومة على “برنامج الحكومة الرقمية الشامل (Jordan People‑Centric Digital Government Program)”، وهو مشروع يمتد من يونيو 2024 حتى يونيو 2028 بميزانية نحو 549 مليون دولار تشمل تمويلات قروض ومنح، ليركز على تقديم خدمات رقمية محورها المواطن (هويات رقمية، وتقاسم بيانات موثوقة، وخدمات صحية رقمية، وتقييمات تعليمية)، كما عملت الحكومة على تعزيز كفاءتها ببناء مهارات العاملين، وتحسين تبادل المعلومات الصحية.وفي مجال تعزيز أفق الاستثمار والقطاع الخاص؛ سجلت الاستثمارات الأجنبية المباشرة نحو 1.122 مليار دينار في الربع الأول من العام 2025، وتأسست أكثر من 5200 شركة عبر منصة الخدمات الاستثمارية منذ عام 2023، ما يعكس تحسنا ملموسا في بيئة الأعمال. كما أن القانون واللوائح الجديدة للاستثمار وقانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص ساعدا على جذب صناديق استثمارية محلية وأجنبية، أبرزها صندوق بمبلغ 275 مليون دولار لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة وريادة الأعمال. أيضا، تم تسوية آلاف القضايا الضريبية لتخفيف العبء الضريبي، وتنشيط برامج التوسع الاقتصادي.إن احتياط المملكة من النقد الأجنبي بلغت 22 مليار دولار تقريبا في آذار 2025، حيث تغطي نحو 8.5 أشهر من المستوردات، كما أن الأردن في صدد إصلاحات مع صندوق النقد الدولي ببرنامج مالي ميسر يوفر تمويل إضافي يمتد إلى عام 2029، مع تحسين التصنيف المالي وتخفيض العجز تدريجيا من 2.9 % إلى نحو 2 % من الناتج المحلي بحلول نهاية عام 2025. وبذلك، أصبحت المملكة نموذجا يواجه التحديات الاقتصادية من خلال تخطيط متكامل وتركيز على المشاريع الاستراتيجية، وبات الاقتصاد الأردني في مسار إيجابي يعزز النمو المستدام والاقتصاد الأخضر بهدف رفع جودة الحياة للمواطنين.