الكردي تكتب: تحول الأدوار.. عندما تصبح المرأة هي ربة المنزل ـ بقلم: جوان الكردي

في مجتمعاتنا، التي تتغنى بالقيم الأسرية، يتوارى خلف جدران البيوت مشهد صادم لا يتسق مع الشعارات المعلنة: امرأة تؤدي جميع الأدوار، ورجل متقاعس جالس في بيته كأنه هارون الرشيد، لا يحرك ساكنا، ولا يهتم إن احترقت الحياة من حوله، طالما أن هناك من تطفئها عنه. نحن لا نتحدث هنا عن رجل عاجز قسرا، أو مُقعد قدر عليه المرض، بل عن رجل انسحب طوعا من دوره الأسري والإنساني، مستسلما للكسل، أو متذرعا بالظروف، أو مستغرقا في أنانيته..رجل.. يراقب زوجته وهي تعمل.. تطعم.. تربي.. تصلح.. تكد ليل نهار، فيما هو جالس، ينتظر قهوة الصباح ووجبة الغداء، وكأن إدارة الحياة ليست من اختصاصه.هذه الصورة ليست نادرة، بل تتكرر بتفاصيل مختلفة في أعداد متزايدة من البيوت؛ نساء يتحملن فوق طاقتهن، لا لأنهن يحببن السيطرة أو يسعين للاستقلال، بل لأنهن لا يملك خيارا آخر..الانفصال؟ الطلاق؟ مستحيل.. هناك أبناء. وهناك مجتمع لا يرحم. وهناك قلق من أن يصبح الأطفال ضحايا لانفصال قد يضاعف الخسائر.فتجد المرأة نفسها بين مطرقة الواجب وسندان الاستنزاف. لا تستطيع تركه، ولا تستطيع إيقاظه. هو موجود كشكل فقط، لكنه غائب عن الفعل، عن المشاركة، عن الحضور النفسي والمعنوي. وقد يزيد الطين بلة، إن تحول هذا الرجل إلى ناقد دائم، أو متطلِّب متذمر، يرى أن ما تفعله “واجب طبيعي” وليس فضلا منها.في هذا الانقلاب القيمي والاجتماعي، يحدث ما هو أخطر: تفريغ الرجل من رجولته الحقيقية، وتشويه معنى القِوامة. فالرجل ليس جسدا في البيت، ولا صوتا في الصالون، بل هو مسؤولية ورعاية وتضحية. وحين تتجرد العلاقة من التوازن، وتتحول إلى عبودية مقنّعة للمرأة، فإن الأسرة كلها تنزلق إلى هوة الخلل والتفكك الصامت.وهنا، علينا أن نواجه الحقيقة بدون تجميل:المرأة التي تتحمل كل شيء ليست خارقة، بل مجبرة. والرجل الذي يتنازل عن كل شيء ليس مظلوما، بل مقصر. و”الأبوة” لا تقاس باللقب، بل بالحضور والدور والمساهمة. والجلوس في البيت بلا حراك، بينما زوجتك تُدير الحياة نيابة عنك، ليس تواضعا ولا ظرفا، بل استهتار لا يغتفر.الصمت عن هذه النماذج هو تشجيع لها لتتمادى أكثر، وتجميل صورتها بدعوى أن المرأة “قوية وتستطيع” هو خيانة للعدالة الأسرية. فالقوة ليست في صبر المرأة فقط، بل في الاعتراف بأن هناك رجلا تخلّى عن رجولته، وأن استمرار هذا الوضع هو وصفة مؤكدة لانهيار المفهوم الحقيقي للأسرة.