تنفيذ ومساءلة برنامج التحديث الاقتصادي – تأليف: طارق الدعجة

تنفيذ ومساءلة برنامج التحديث الاقتصادي – تأليف: طارق الدعجة


بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على إطلاق رؤية التحديث الاقتصادي في المملكة، التي أطلقها جلالة الملك عبدالله الثاني كخارطة طريق طموحة للنهوض بالاقتصاد الوطني، حان الوقت لوقفة تقييم ومراجعة جادة لهذا المشروع الوطني الذي يعول عليه كثيرا لتحقيق تنمية شاملة ومستدامة. خلال الأسابيع الماضية، انطلقت في الديوان الملكي الهاشمي ورش عمل تقييمية بمشاركة واسعة من ممثلي القطاعين العام والخاص، لمراجعة ما تحقق، ومواجهة التحديات التي ظهرت أثناء التنفيذ، وإعادة توجيه الجهود نحو تحقيق أهداف الرؤية.تشير البيانات الرسمية إلى أن الحكومة أنجزت حتى نهاية النصف الأول من العام الحالي نحو 32.4% من مجموع أولويات البرنامج التنفيذي لرؤية التحديث الاقتصادي، والبالغ عددها 545 أولوية، حيث بلغ عدد الأولويات المنجزة 177 أولوية في حين لا تزال 62.9% منها (342 أولوية) قيد التنفيذ، وهناك نسبة 3.9% (21 أولوية) متأخرة في الإنجاز، إضافة إلى 4 أولويات لم يبدأ العمل بها بعد.ووفقا للتوزيع القطاعي للأولويات المنجزة، فقد أنجزت الحكومة 56 أولوية في محرك الصناعات عالية القيمة، تلاها 43 أولوية في محرك الخدمات المستقبلية، ثم 27 أولوية في محرك الريادة والإبداع، و23 أولوية في محرك الموارد المستدامة، و14 أولوية في محرك نوعية الحياة، و9 أولويات في محرك “الأردن وجهة عالمية”، و15 أولوية في محرك الاستثمار، و5 أولويات في محرك “بيئة مستدامة”.ومن المتوقع أن تستكمل هذه العملية بورش عمل موسعة تعقد قريبا في رئاسة الوزراء، بهدف صياغة برنامج تنفيذي جديد للأعوام الثلاثة المقبلة، يتضمن مؤشرات أداء واضحة، ويعرض لاحقا على مجلس النواب لضمان الرقابة والمساءلة.لكن السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه اليوم: هل ستنتقل هذه الخطط من الورق إلى الواقع؟ وهل نمتلك ما يكفي من الإرادة السياسية، والآليات العملية، لضمان التنفيذ الفعلي وتحقيق الأثر المطلوب؟المنطقة تمر بظروف استثنائية؛ في مقدمتها الحرب المأساوية على أهلنا في غزة، وتداعياتها الأمنية والاقتصادية العميقة، بالإضافة إلى تحديات أخرى مثل اضطرابات سلاسل التوريد، والتغيرات المناخية، والتحولات التكنولوجية المتسارعة، كلها عوامل تفرض على الحكومة تبني نهج مرن، وقابل للتكيف، ومستند إلى خطط واقعية، وتنسيق مؤسسي فعال.وحتى تكون الورش المقبلة مجدية، لا بد من توفر شروط أساسية في مقدمتها تحديد أولويات واضحة ومرتبطة مباشرة بأهداف التنمية؛ تنسيق حقيقي بين مؤسسات الدولة والقطاع الخاص، بما يضمن توحيد الجهود وتجنب التكرار والتشتت؛ وضع آليات دقيقة للمتابعة والتقييم، تضمن الشفافية، وتفرض المساءلة.إن صياغة البرامج والخطط هي البداية، فالنجاح الحقيقي يبدأ حين يرى المواطن نتائج هذه الرؤية في حياته اليومية من فرص عمل حقيقية، خدمات محسنة، ونمو اقتصادي ملموس. لا يكفي أن تقتصر المتابعة على التقارير الدورية والبيانات الصحفية، بل لا بد من محاسبة كل من يخل بالتنفيذ، ومكافأة كل من ينجز ويُحدث فرقا.إشراك مجلس النواب خطوة مهمة، لكنه لن يكون فاعلا ما لم تقترن بالتزام جاد من الحكومة، وشفافية كاملة في عرض الإنجازات والتحديات، والأهم الإرادة السياسية لتصحيح المسار عند الحاجة.رؤية التحديث الاقتصادي لن تحقق أهدافها بالتمني أو عبر الشعارات، بل من خلال المتابعة الدقيقة، والحوكمة الرشيدة، والمساءلة الحقيقية، وحين يرى المواطن نتائج الرؤية تنعكس على معيشته، فقط حينها يمكن القول إننا بدأنا نحصد ثمار التحديث.