فرص البنوك في سوريا – تأليف: سلامة الدرعاوي

يؤكد الأداء المتزن للقطاع المصرفي الأردني على مدى حصافته ورجاحة قراراته، سواء في الداخل أو في توجهاته الإقليمية، فلطالما امتاز هذا القطاع بحس عالٍ من الانضباط، واعتماد السياسات المدروسة، وتقدير المخاطر بشكل واقعي دون تهور أو تردد.وهنا يأتي التحليل الأخير الذي أعدته جمعية البنوك في الأردن، بالتعاون مع البنك المركزي، ليعكس هذه الروح المؤسساتية الرشيدة في قراءة فرص وتحديات الانخراط في السوق السوري، مستندًا إلى معطيات ميدانية وتحليل منهجي دقيق.واستنادا إلى ذلك، لا بد أن نسأل، هل حان الوقت للبنوك الأردنية لإعادة تقييم وجودها في سورية؟ أو دخول بنوك جديدة إليها، هذا ما تشير إليه الدراسة، حيث تبرز “فرص إستراتيجية أمام البنوك الأردنية لإعادة تقييم إمكانية التوسع في السوق السوري” في ضوء تخفيف العقوبات الدولية عام 2025، وبدء مرحلة جديدة من الانفتاح الاقتصادي في سورية.لم يكن طرح هذا التساؤل عشوائيًا، بل جاء نتيجة لتقاطع جملة من العوامل الواقعية، من أبرزها التقارب الجغرافي والروابط الاقتصادية التاريخية، وتنامي الحاجة إلى دور مصرفي عربي فاعل في دعم استقرار الاقتصاد السوري.لكن، إلى أي مدى تعكس هذه الفرص واقعًا عمليًا قابلًا للتحقيق؟ الإجابة تنبع من داخل القطاع نفسه، فقد أظهرت نتائج الاستبيان أن 9 من أصل 13 بنكًا أردنيًا لا تملك حاليًا أي نشاط مباشر في السوق السوري، ما يعكس “حالة من الترقب والحذر في ظل البيئة السياسية والاقتصادية غير المستقرة”، وفي المقابل، أشارت 4 بنوك إلى وجود نشاط مباشر، من بينها 3 تمتلك شراكات في بنوك سورية، وبنك واحد يعمل عبر شراكة مع بنك سوري تابع لمجموعة قابضة، فهل يُعدّ هذا تموضعًا تكتيكيًا ذكيًا أم ترددًا مبررًا؟ في الواقع، يظهر أن البنوك الأردنية اختارت التموضع المبكر المدروس لدى البعض، أو الانكشاف المحدود والمؤقت لدى البعض الآخر، في انتظار تحسن المعطيات التنظيمية والسياسية.والسؤال أيضا، ما النظرة المستقبلية لهذه السوق؟ عندما سُئلت البنوك عن توقعاتها خلال السنوات الخمس المقبلة، أبدى 11 بنكًا من أصل 15 تفاؤلًا “بأن السوق المصرفي السوري سيشهد انتعاشًا تدريجيًا”، مقابل بنك واحد توقع استقرارًا نسبيًا، وثلاثة بنوك رجّحت استمرار التقلبات، فهذا التفاؤل لا ينبع من أمنيات، بل من مؤشرات حقيقية مثل “صدور الترخيص الأميركي العام رقم 25، وقرار الاتحاد الأوروبي برفع العقوبات الاقتصادية”، ما أعاد الزخم لفكرة إعادة الإعمار والانفتاح الدولي الجزئي على سورية.وأيضا، هل تعود العلاقات المصرفية بين الأردن وسورية إلى طبيعتها؟ الاستبيان يكشف أن “12 من أصل 13 بنكًا أردنيًا تتوقع أن تشهد العلاقات المصرفية نموًا تدريجيًا خلال السنوات الثلاث المقبلة”، وهو أمر تعززه وقائع ملموسة مثل “إعادة تفعيل الربط التجاري عبر الحدود البرية، وعودة بعض البنوك السورية لاستخدام شبكة سويفت، ووجود رغبة سورية واضحة في جذب الاستثمارات”، فهذه الوقائع تشير إلى اتجاه جاد نحو استعادة النشاط المصرفي، وإن كان محفوفًا ببعض التحفظ من ثلاثة بنوك ترى أن مستقبل العلاقة سيظل مرتهنًا بالموقف الدولي من سورية.أما السؤال الأهم: هل تبدي البنوك الأردنية اهتمامًا حقيقيًا بالتوسع في سورية؟ تشير النتائج إلى أن 8 بنوك أبدت اهتمامًا كبيرًا، فيما عبّرت 5 عن اهتمام متوسط، مما يعكس “اهتمامًا واضحًا وملموسًا بالتوسع أو العمل في سورية خلال الفترة المقبلة”، فهذه النسب تضع أمامنا صورة قطاع مصرفي لا يتصرف بدافع المجازفة، بل وفق معايير مهنية ناضجة ومبنية على تحليل المخاطر والعوائد.الخلاصة أن القطاع المصرفي الأردني، كما أظهرته هذه الدراسة، يتعامل مع ملف الانخراط في السوق السوري بعقلانية إستراتيجية، لا تندفع وراء الانفتاح السياسي وحده، ولا تتقوقع خوفًا من التقلبات، خاصة أنه قطاع يعرف متى يقترب، ومتى يتريث، لكنه لا يغيب عن المشهد، وهذه هي الحصافة بعينها.أخيرا، البنوك الأردنية لها بصمة وحضور واضح في المشهد المصرفي العراقي، ولا ننسى أنها تلعب دورا إقليميا مهما في مكافحة الإرهاب وغسيل الأموال، ولا يوجد منافس إقليمي حقيقي لها بسبب خبراتها التراثية وعلاقاتها المتشعبة، إضافة لغياب البنوك في كل من تركيا ولبنان عن المشهد الداخلي بسبب أوضاعهما البنكية والاقتصادية، ناهيك عن أن البنوك الخليجية لا تدخل في منافسة مع البنوك الأردنية في قطاعات كثيرة باستثناء المعاملات والصفقات الكبرى، لذلك هناك فرصة كبيرة للجهاز المصرفي للعب دور مهم في الاقتصاد السوري، والأمر مرتبط في النهاية بتطورات المشهد السياسي والاستقرار العام.