أمل خضر تكتب: الأمير حسن رمز للعلم والتفكير والإبداع

تلقَّى صاحب السمو الملكي الأمير الحسن تعليمه الابتدائي في عمَّان، ثم أكمل تعليمه الإعدادي في مدرسة (سمر فيلدز) الإعداديَّة في بريطانيا. وفي عام 1963، ثم التحق بمدرسة (هارو) في إنجلترا، و بعدها بكليَّة (كرايست تشرتش) بجامعة أكسفورد، حيث حصل على درجة البكالوريس مع مرتبة الشرف في الدراسات الشرقيَّة، ثم بعد ذلك الماجستير. يعتبرصاحب السّمُوّ الملكيّ الأمير الحسن بن طلال من نخبة المفكرين العرب ومصدر القيادة والإلهام في هذا العالم، الراهنين عقولهم وقلوبهم في سبيل صناعة مستقبلٍ أكثر إنسانيَّة وانتماء للارض ، مؤمن بضرورة بناء الإنسان (كجسد وفكر وروح) ليسهمو ببناءمجتمعات مزدهرة بقيم الحريَّة والتنوّع والسلام الحاضنة لكرامة الإنسان. أدرك صاحب السمو الملكي الأمير الحسن، أنّ «الآخَر» المختلف في الفكر والتفكير؛ أولويَّة لنا في البحث والمعرفة، خصوصًا في مجتمعاتٍ متغيّرة يحكمها الخلاف أكثر من الاختلاف،فمن تابع وقرء مقدّمته لتقرير الهيئة المستقلَّة الخاصَّة بالقضايا الإنسانيَّة في العالم سيجد تركيز سموه فيها على الأمن الإنساني ( السبيل لعلاقات أفضل بين الأمم والدول والشعوب، والتركيز على سياسة الاحتواء عوضًا عن الإقصاء مع التمسّك بالوحدة والتضامن عبر القيم الإنسانيَّة المشتركة، مؤكّدًا على أنَّ تحقيق الكرامة والعدالة للإنسان؛ هو الهدف من تعزيز الأمن الإنساني)، داعياسموه إلى توحيد جهود المجتمع الدولي وتوظيف قدراته نحو تمكين المواطن وجعل القانون يعمل من أجل الجميع، كذلك الاستثمار في الأمن الإنساني للصالح الإنساني، واستخلاص القيم الكونيَّة للإنسان في بناء عالم واحد أكثر تراحمًا، وأشدّ تضامنًا وأعمق تفاهمًا.يعد الأمير الحسن بن طلال من الرواد في حقول العلم والمعرفة والإبداع على المستوى المحليّ والإقليميّ والدوليّ. ولسعة اطلاع سموه عرف الحدود الفاصلة بين القضايا والأمور، مدركا الفرق ما بين الوسائل والغايات، وميّز بحكمته بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون. فكان التميّز من نصيبه في مجالات عدة، مما جعله يمتلك شخصية قوية ومؤثرة، فكل من التقى بسموه لايستطيع أن ينسى ذلك اللقاء بسهولة، لكثرة الفوائد التي سيجنيها ، فبنى الأمير الحسن علاقاته مع الناس عاكساشخصيته وفكره تاركا بصمه لها اثر في فكر وشخصيةمن التقاه فأبتسمته وصوته وكلماته تحفر في الذاكرة كمرساة أمان للوصول الى البر، حكمته وفطنته ونظرته الثاقبه وايمانه بالإنسان الاردني جعلته دومًا محط أنظار الجميع أينما حل. فقد حاور الآخرين باعتبارهم شركاء في الفكر والحوار، ملتزما بالأهداف التي عززت القيم والمبادئ الإنسانية بكل مجالاتها. فكان الأمير الحسن وما يزال من النخب المثقفة، والتي آمنت دومًا بدور الفكر والإبداع في إبراز القيم الإنسانية، وصون الذاكرة الثقافية المشتركة بين الشعوب، باعتبارها قاسمًا مشتركًا ما بين الإنسان كإنسان، والفكر الذي ينتجه.عندما تسمع أو تقرأ للأمير الحسن، تجده يخاطب العقل والعاطفة معًا، يمتلك سموه مكنونًا فكريًا منظمًا، سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، له عراقته التاريخية، وثقافته المميزة، ورقيه المتواصل. ظهر في فترة الجمود والسبات الذي عاناه الفكر العربي ، فأسس منتديات، ومؤتمرات فكرية، كان العرب في أمس الحاجة إليها، فكان عربيًا في فكره، وعالميًا في توجهاته الإنسانية. دعا سموه إلى ضرورة تلاقي الأفكار العالمية، ملتزمًا بالأهداف التي عززت القيم والمبادئ الإنسانية في شتى مجالاتها.لقد امتلك الأمير الحسن بفكره الراقي الأدوات اللازمة التي جعلت منه صاحب رؤية واضحة، وبرنامج متواصل امتد عربيًا وإقليمًا وعالميًا، لترسيخ المعايير الأخلاقية، والقيم الإنسانية في أكثر من اتجاه، فكان الأردن في وجدانه، والعرب في ضميره، وهو مثقف كبير ، ومسؤول في النطاق العالمي لتبوئه مركز السيادة والريادة في صياغة الفكر الدولي. لقد أصبح دور الأمير الحسن مضاعفًا في التعامل مع القضايا عبر المرجعيات الفكرية؛ نظرًا لتعددها وتشعبها، فاستطاع وبكل براعة وإتقان أن يقدمها إلى الآخر في صورة أنيقة، تجعله يقبل عليها ويقدم لها الإضافات الغنية بالحوار والنقاش، متحملًا أمانة المسؤولية و قادرًا على تقديم الجديد النافع دوما. تشكّل “العقيدة الإنسانيَّة” في فكر الحسن بن طلال توجّها أساسيّا نحو مصالح البشر ورفاهيّتِهم لكنه في الوقت نفسه، يتعدّى حدود القانون الإنسانيّ القائم، ويتمحور حول أخلاقيَّة التّضامُن (أو التكافُلِ) الإنسانيّ. وإنّ حجر الزاويَّة للإطار المفهوميّ المتعلّق به هو القيم التي شكّلت منذ زمن سحيق جُزْءاً من الوعي الجمعيّ للجنس البشريّ، والتي استطاعت أنْ تُحافظَ على بقاء البشر وسلامتهم، في وجه الزّمان،وان قيام ثقافة للسلام تستعمل طرائقَ براغماتيَّة فاعلةً لإزالة التّناحُر والصراع وإعطاء الناس أدلّةً ملموسةً على إمكانيَّة تحقّق السلام. ومع أنّ الاتفاقات والمعاهدات جرى الاعترافُ بها منذ زمن طويل كوسائلَ أساسيَّة لتنظيم سلوك الدول، إلا أنّ اهتماما أقلّ بكثير أُعطي إلى صوغ نهجٍ اكثرَ شموليَّة، ينضوي تحته الأفراد؛ أي مواطنو تلك الدول. وثمة عنصر حيويّ في هذا النهج يلزم عنه بالضرورة إعادة النظر في المدلول الذي يُعْطَى عادة لمصطلح “الأمن”. فالأمن يجب ألاّ ينحصرَ في مجال التعريف العسكريّ؛ ذلك أنّ الأمنَ الاجتماعي والاقتصادي هما أيضاً من مستلزَماتِ الاستقرار.ينطلق الحسن في الحاجة إلى ثقافة سلام من حق جميع الناس في حياة كريمة، خالية من الرعب واليأس. لذلك، لا بُدّ من تشجيع الدول على احترام حقوق الإنسان الأساسيَّة وتعزيزها لتجنيب مواطنيها مختلِفَ أشكال الاستغلال السياسي أو الأيديولوجي أو غيره. وبالقَدْر نفسه من الأهّمّيَّة، لا بُدّ من قيام مبادرة عالميَّة تعتمد جميعَ الموارد السياسيَّة والاقتصاديَّة والتكنولوجيَّة والثقافيَّة الممكن تصوّرها لتحسين الظروف المحلّيَّة وتقديم سيناريوهات للمصالَحة. والخطر يهدّد بشكل خاص الشباب الذين يكوّنون غالبيَّة سكّان الدول النامية . والإقرار بهذه الحقيقة يمنحنا نقطةَ بدايَّة ممكنة ألا وهي تعزيز ثقافة عالميَّة للسّلام بين الشباب. فا لثقافة السّلام أنْ تُصبحَ طريقةً للحياة تتخلّل نواحي حياتهم كافّةً، فسيكون ذلك استثماراً في مستقبلِنا المشترَك سنجني منه عائداً كبيراً. فالعنف والرعب كثيراً ما ينشآن نتيجة اليأس السياسيّ والاقتصاديّ، لأنّ التطّرف يظهر حينما يعتقد الناس أنّ لا مستقبلَ أمامهم؛ في حين أنّ السلام ينبثقُ من الأمل. من المؤكّد أنّنا نستطيع أنْ نمنح أولادَنا ذلك الشيء فهم المستقبل . فطريقنا هو الحوار الأداة الفاعلة لبناء جسور التعاون بين مَنْ يمثّلون ثقافاتٍ وأدياناً مختلِفة، عن طريق فوجهات النظر المختلِفة توسع مجالات الاتفاق. الحوار يشجّعُ أولئك الذين يعتنقون مبادىء أو آراء متضاربة على الإقرار بأنّ الحقيقة ليست حكْراً على طرفٍ دون آخر؛ بل إنّ الطَّرفيْن كليْهما يتقاسمان الحقيقة فيما بينهما، ولكلّ منهما رؤيا لا تكتمل دون الآخر.مع إدراك أهمّيَّة المعرفة والإبداعيؤكد الحسن بن طلال على أن العَولمة لم تعد مجرّدَ خيار يُمكن قَبُوله أو رفضه، بل أصبحت حقيقةً واقعة، ولا بُدّ من مواجهة الوقائع. فالتحدّي الحقيقيّ يكمن، في إدارتها بشكل فاعل لتلبيَّة احتياجاتِنا الراهنة، مَعَ ترك المجال مفتوحاً لأكبر عدد ممكن من الخيارات بالنسبة للأجيال القادمة.وعليه، دعا الأمير الحسن إلى الإقرار بقدرتنا على تحديد شكل تطور البنى التي في الواقع أوجدناها نحن، وعلينا أن نتحمّل مسؤوليّتها، وأنَّ المعرفة حقَّا رأسَ المال الاقتصاديّ الجديد، وعلينا أن نضمنَ لكلّ فرد إمكانيَّة الوصول إليها؛ بحيث، يصبح التعليمُ أعلى أولويّاتنا. فالتعليم اليوم يعني أكثر من الحصص الدراسيَّة والمراجع والمدرّسين المؤهَّلين بإمكانيَّة الوصول الى أحدث ثورة المعلومات العالميَّة عن طريق نوْعٍ من إدارة المصالح على نطاق عالميّ وبشكل مستدام من النواحي البيئيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والسياسيَّة.عَمَلَ سموه مدة تجاوزت الثلاثين سنة، لإيجاد عالَمٍ يسودُهُ الحوار والتّعاون والسّلام بشكل لا يدع مجالاً للتساؤل أو التعليق. لكنّ العالَمَ الذي يصبواليه مازال ضالته المنشودة، وما زال يدعو إلى استشراف رؤيا عالَمٍ لا تمييزَ فيه، حيث يحقّ لكلّ فرد أنْ يحصلَ على فرصة كي يتطوّرَ دون تحيُّزٍ أو تعصُّبٍ أو ظلم، أيَّا كان نوعه، من دروس مدرسة الهاشميين مدرسة الأمير الحسن بن طلال فكر وإبداع تطور إنسانيَّة آمنة حاضنة.