خريسات يكتب: الثباتُ هو النور الذي لا تُخمده رياح التغير ـ بقلم: أ. فراس خريسات

خريسات يكتب: الثباتُ هو النور الذي لا تُخمده رياح التغير ـ بقلم: أ. فراس خريسات


هكذا قالها قلبٌ يعرف أن السقوط لا يبدأ من الهاوية، بل من التنازل الصغير… من المجاملة على حساب الحق، ومن السكوت حين يجب أن تُقال الكلمة، ولو وحدك. ليس كل من وقف، وقف على مبدأ.فمن الناس من يتقن الوقوف على الهامش، ويجيد الالتفاف مع كل ريح،يبدّل رأيه كما يبدّل قميصه، ويحسبُ أن التلوّن حنكة، وما علم أن التلوّن نقيض الثبات، وأن الذين لا جذور لهم… لا ظلّ لهم، ولو وقفوا في الشمسأما أنت،فاجعل لك قدمًا لا تتزحزح، وصوتًا لا يرتجف، وقلبًا يعرف لماذا اختار هذا الطريق.? قِف شامخًا على مبدئك،لا لأنك الأعقل، بل لأنك الأوفى.لأنك تعلم أن الرجولة لا تُقاس بعدد المؤيدين، بل بصدق البدايات، وثبات النهايات.ومن خاف أن يختلف، انتهى به المطاف أن لا يُعرف.قد لا تكون بليغًا في الحديث، ولا خطيبًا فوق المنبر، لكن إن ثبت قلبك على الحق، ناداك الله باسمك يوم القيامة… لا باسم قبيلتك، ولا حزبك، ولا جماعتك.فلا تغترّ بزينة الكلمات، فالتلوّن لغة سهلة، أما *الصدق… فهو عملة نادرة لا يصكّها إلا الصادقون.*الذين ثبتوا لم يكونوا دائمًا محبوبين، لكنهم ظلّوا محترَمين.ومن سار عكس التيار، لم يكن متهورًا،بل كان نبيًّا أحيانًا، أو حكيمًا، أو إنسانًا لم يخن فطرته.أما أولئك الذين تلونوا…تراهم يضحكون حيث يجب البكاء، ويُصفّقون حين يُذبح المعنى، ويبرّرون كل شيء… إلا الصدق.ثم يرددون لك من الأمثال ما يُراد به كسر الظهر:*”حط راسك بين الرؤوس، وقل يا قاطِع الرؤوس”*وكأن الذلّ بات حكمة،أو يقولون:*”إذا جُنّ قومك، فعقلك لا يفيدك”*فهل يكون الجنون مبررًا لإسقاط العقل؟!هؤلاء…إن سألتهم عن قناعتهم، قالوا: “مع الناس”، وإن سألتهم عن موقفهم، قالوا: “نراقب وننتظر”، فصاروا وجوهًا بلا ملامح، وحشودًا بلا راية.أما الثابت،فهو الذي عرف الطريق، ولو لم يصفّق له أحد.هو الذي إذا خذله القريب، لم يخذل نفسه.وإذا كثر المساومون، وقف وحيدًا وقال: *”هذا موقفي.”*إن المبدأ ليس رأيًا نتبناه إذا راج، ونتخلّى عنه إذا هوجم…المبدأ نورٌ تمشي به في الدجى، حتى لو كنت وحدك،وتحمله كرايتك بين الجموع، حتى لو ضحكوا من انفرادك.فمن ثبت اليوم… قد يُهاجم، يُسخر منه، يُتهم،لكنه بعد حين… يُذكر، يُحترم، ويُفتخر به.لا تكن تابعًا للريح…كن صخرة في وجهها، لا تُعاندها، بل اثبت ودعها تمرّ.فمن خاف أن يكون مختلفًا،ظلّ تافهًا طول عمره“إن إبراهيم كان أُمّة.”لأنه ثبت وحده، حين ارتجف الجميع،وكان جماعة من رجل… ومبدأ من جسد واحدوهكذا يكون الثابت على المبدأ… ليس تابعًا لأكثرية، بل قائدًا لرسالة، حتى لو سار وحده …النداء الأخير:*فاثبت…*ولا تغرّك الكثرة،ولا تهزمك العزلة،ولا تغريك المجاملات التي تُطفئ جوهرك على مهل.اثبت…حتى لا يأتي يوم تقول فيه بندم:“ياليتني متّ وأنا ديك!”عبارة شعبية تقولها حين تكتشف أنك تنازلت عن صوتك…عن موقفك…عن نفسكاثبت…فما خُلقت لتكون صدىً في الزحام،بل صوتًا يحمل معنى،وقامة تمشي على الأرض بعزيمة مبدأ، لا بتقلب مصلحة.وإذا سألتك نفسك يومًا:”أما آن لك أن تُساير لتُريح رأسك؟”فقل لها بهدوء:*”بل آن لي أن أُرضي الله، وأستريح.”*