عبير النجار: استغلال الأطفال.. براءة تُفقد وسط أنقاض الفقر ـ تأليف: عبير النجار

عبير النجار: استغلال الأطفال.. براءة تُفقد وسط أنقاض الفقر ـ تأليف: عبير النجار


في زوايا المُدن، وعلى قارعةِ الطُّرُق، وتحتَ لهيبِ الشَّمس أو لسعةِ البرد، ترى وجوهًا صغيرةً تحملُ على ملامحِها حكاياتٍ من التّعب، وأعينًا تبحثُ عن فُرصةٍ للراحةِ لا تأتي، وأياديَ غَضَّةً تُمسِكُ بمِطرقة، أو تمسحُ زجاجَ السيارات، أو تبيعُ ما تبقّى من الطفولةِ بثمنٍ بخس. عَمالةُ الأطفال، تلكَ الجريمةُ الصامتةُ التي تتسلَّلُ خلسةً إلى قلوبِ المجتمعات، فتغتالُ الأحلام، وتسرقُ الطفولة، وتشوّهُ المستقبل.ليست مجرّدَ ظاهرةٍ اجتماعيّة، بل صرخةٌ مؤلمةٌ في وجهِ الضميرِ الإنساني.لماذا يعملُ الأطفال؟قد تُلقي الظّروفُ الاقتصاديّةُ القاسيةُ بثقلِها على كاهلِ الأُسرِ الفقيرة، فتُجبِر أبناءَها على تركِ المدارس والانخراطِ في أعمالٍ لا تتناسبُ مع أعمارِهم.وربّما تنبعُ المشكلةُ من غيابِ القوانينِ الرادعة، أو ضعفِ الرّقابة، أو جهلِ الأهلِ بحقوقِ أبنائهم.وفي بعضِ الأحيان، تتغذّى الظاهرةُ على طمعِ أربابِ العمل الذين يُفضّلون اليدَ العاملةَ الرخيصة، ولو كانت يدًا صغيرةً ترتجفُ من التّعب.ماذا نخسر حينَ يعملُ الطفل؟حين يُنتَزعُ الطفلُ من مقاعدِ الدراسة، يُسلبُ حقُّهُ الأساسيُّ في التعليم، ويُحرَمُ من بناءِ مستقبلِه.وعندما يُلقى به في بيئاتِ العملِ القاسية، يتعرّضُ لمخاطرَ جسديّةٍ ونفسيّةٍ جسيمة؛ من استغلالٍ وعنفٍ وتحرّش، إلى أمراضٍ مُزمنةٍ وحرمانٍ عاطفي.نخسرُ جيلًا كان من الممكنِ أن يكونَ طبيبًا، أو معلّمًا، أو مخترعًا، أو فنّانًا، ونُسهِمُ بصمتٍ في تدويرِ دائرةِ الفقرِ والجهل، بدلًا من كسرِها.صرخةُ المجتمع: مَن يُنقِذُ الطفولة؟لا تكفي القوانينُ وحدَها، ولا تُجدي الإعلاناتُ التوعويّة ما لم يتحرّك المجتمعُ بكلّ مكوّناتِه: الدولة، الأسرة، المدرسة، وسائل الإعلام، والمؤسّسات المجتمعيّة.لا بدّ من برامجَ حمايةٍ حقيقيّة، وفرصِ تعليمٍ مجانيٍّ نوعيّ، ومراكزِ تأهيلٍ للأطفال العاملين، مع دعمٍ مباشرٍ للأسرِ الفقيرة التي تُضطرّ لتشغيلِ أطفالها لا رغبةً، بل حاجة.طفلُ اليومِ هو رجلُ الغدفلنمنحهُ ما يستحقّه: لا يُطلبُ منه أن يُنفِق، بل أن يتعلّم.لا يُفترَض به أن يُعيل، بل أن يلعَب.الطفولةُ ليست مرحلةً يُتجاوَز عنها، بل أساسٌ تُبنى عليه الأمم.فهل نرضى أن يكونَ مستقبلُنا هشًّا، لأنّنا لم نحفظْ صغارَنا من كَسرِ الحياة؟وهل نتركُ الطفولةَ تُباعُ على الأرصفة، أم نحملُ رايةَ إنقاذِها قبلَ فواتِ الأوان؟