القصير يكتب: حين يصبح مقلد الصيحات عبداً ـ بقلم: سيف جرير القصير

في زمن طغت فيه الصورة على المعنى والصوت على الفكرة بات كثير من الناس يسيرون خلف ما يعرف اليوم بالترند دون ترو ولا نظر كأنما سلبت إرادتهم وانطفأت بداخلهم جذوة التمييز. الترند ليس إلا موجة قد تحمل في ظاهرها طرافة أو شهرة لكنها كثيرًا ما تخفي وراءها تفاهة مقيتة أو تقليدًا أعمى أو خرقًا للقيم والشرائع بل وربما مسًا مباشرًا بثوابت الدين وأصول الأخلاق.لقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من هذا السلوك منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا حين قال لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه رواه البخاري ومسلم.هذا الحديث لم يكن وصفًا عابرًا بل إنذارًا نبويًا لحالة من الاتباع المذل الذي يفرغ الإنسان من خصوصيته ويفقده هويته ويجعله نسخة باهتة ممن لا دين لهم ولا قيم.الذي يركض خلف الترند لمجرد الرواج يخلع عن نفسه عباءة الكرامة ويمنح الآخرين زمام عقله وهذا لا يليق بمسلم يحمل وعيًا ولا بمؤمن يزن الأمور بميزان الشرع والعقل.كثير من الترندات اليوم تحرض على السخرية وتنشر الفاحشة وتعمق التفاهة وتسقط الرموز وتصنع قدوات زائفة ومع ذلك يشارك فيها البعض وكأنهم يزفون أنفسهم إلى حضيض جديد.الشهرة التي تبنى على الضحك على الدين أو اللهو الفارغ أو استرضاء الجمهور بأي ثمن هي شهرة من ورق لا تصمد أمام سؤال القبر ولا تحمي صاحبها من الندم حين يقف بين يدي ربه.ليست كل موجة تستحق أن تركب وليست كل رائج يستحق أن يقلد وليس كل شائع حجة بل أحيانًا يكون الشائع هو البلاء بعينه.الصواب أن يبقى الإنسان وفيًا لمبادئه متمسكًا بثوابته يزن مشاركاته بكفة الشرع لا بكفة الجمهور ويجعل مرضاة الله غايته لا عدد المشاهدات ولا الإعجابات.في زمن كثرت فيه جحور الضب الرقمية يحتاج المسلم إلى وعي وبصيرة وحزم في القول والفعل يقيه أن يكون تابعًا لكل ناعق أو عبدًا لكل صيحة.المؤمن راسخ لا تهزه موجة والمسلم واثق لا تستخفه شهرة والعاقل من يعلم أن الترند يزول لكن أثره قد يبقى في صحيفته إلى يوم الدين.