قرقودة تتناول: عندما تعيد الحكومة توجيه الدولة.. تأملات حول فائدة التعديل الوزاري مع د. جعفر حسان ـ بقلم: تغريد جميل قرقودة

قرقودة تتناول: عندما تعيد الحكومة توجيه الدولة.. تأملات حول فائدة التعديل الوزاري مع د. جعفر حسان ـ بقلم: تغريد جميل قرقودة


في لحظة مصيرية يواجه فيها الأردن تحديات اقتصادية واجتماعية متشابكة، تتجدد تساؤلات حول ضرورة تعديل وزاري يقوده رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان، الذي صدر عنه التكليف في 15 أيلول 2024 من جلالة الملك، لتشكيل الحكومة الجديدة بعد انتخابات برلمانية هزّت التركيبة التقليدية في المشهد النيابي. إن هذا التعديل يُفهم ليس كخطوة دستورية بحتة، بل كدعوة لإعادة إنعاش الجسم الحكومي بما يتناغم مع نبض المواطن واحتياجات المرحلة. إنّ حكومة الدكتور حسان تراكمت على عاتقها مهمة تحديث الأوضاع السياسية والاقتصادية، وهي حكومة يغلب عليها الطابع التكنوقراطي المعتدل، يطغى عليها التوجّه نحو تنفيذ إصلاحات صندوق النقد الدولي، ومواجهة ديون تتجاوز 50 مليار دولار، في ظل بطالة تتخطى 20٪، وتراجع ملحوظ في الاستثمار وثقة السوق. كل هذا دفع إلى ضرورة تفكير واعٍ في تعديل وزاري يُعيد صياغة الأداء الحكومي على أساس الكفاءة، لا الولاء، وعلى أساس الاستحقاق، لا المجاملة.لا ننظر إلى التعديل كإجراء شكلي أو تدوير تقليدي، بل كمساحة تأمل سياسي تتصل بفلسفة الدولة ذاتها: هل ما زلنا قادرين على تجديد أنفسنا دون أن نكسر قواعد الاستقرار؟ وهل ما زالت الوجوه القديمة قادرة على التعامل مع أسئلة الحاضر؟ التعديل هنا يصبح أداة للإنقاذ، لا للمناورة، وشكلًا من أشكال الاعتراف الضمني بأن بعض المسارات لم تعد قادرة على الاستمرار بالوتيرة نفسها.في جوهر المسألة، ليست الأزمة في الأشخاص بقدر ما هي في غياب الحيوية عن الفريق، وفي جمود الخطاب، وفي الفجوة بين المواطن وصانع القرار، التي لا تُردم إلا بتجديد الثقة عبر أداء ملموس. وربما آن الأوان لحكومة حسان أن تُبادر لا أن تُدار، أن تُمسك بزمام المبادرة لا أن تنتظر الحدث. والفرصة لم تذهب بعد، لكنها تتقلص كلما طالت فترة الترقب.ومن هنا، فإن التعديل الوزاري المطلوب لا يجب أن يكون موسميًا أو استعراضيًا، بل استجابة عقلانية لشروط الواقع، وشجاعة أخلاقية في الاعتراف بأن الزمن تغيّر، وأن وجوهًا جديدة قد تكون أكثر قدرة على تمثيل المرحلة ومخاطبة الشارع بلغة يفهمها، ويثق بها. التعديل، إن أُحسن توقيته ومضمونه، قد يكون نقطة تحوّل تُخرج الحكومة من التوصيف إلى الإنجاز، ومن الترقب إلى التأثير.إن الدولة –كما الفرد– تحتاج أحيانًا إلى لحظة مراجعة هادئة تسبق كل خطوة إصلاحية. وحين يتعلّق الأمر بالحكومة، فإنّ التعديل ليس مجرّد استجابة لضغط سياسي أو صوت شعبي، بل فعل تأسيسي يعيد ترتيب القيم في الإدارة العامة، ويستعيد البعد الأخلاقي في ممارسة السلطة، ويمنح رئيس الوزراء فرصة ثانية ليصوغ مشروعه الخاص، لا كمجرّد مدير للواقع، بل كصاحب رؤية، ومُنجز أثر، ومَن يصنع الفرق في وقت لم يعد فيه الترف الإداري مقبولًا، ولا التردّد السياسي مغفورًا.