قديسات يكتب: التغيير الحكومي بين الأعراف والاحتياجات ـ تأليف: محمد قديسات

في ظل التحولات المتسارعة التي تشهدها المنطقة، والضغوط الاقتصادية المتراكمة التي تثقل كاهل المواطن الأردني، يبدو أن الحاجة اليوم لم تعد مقتصرة على تطوير السياسات فحسب، بل أصبحت تمسّ شكل الإدارة ذاتها، ومَن يتولّى تنفيذ تلك السياسات على أرض الواقع. فالمواطن الذي صبر طويلًا، لم يعد مشغولًا بلغة الوعود أو ببيانات الإنجاز، بل يبحث عن نتيجة حقيقية تنعكس في معيشته، وعمله، وتعليمه، وخدماته الأساسية. من هنا، تصبح فكرة التغيير اوالتعديل الحكومي ليست فعلًا تقليديًا أو بروتوكوليًا، بل استحقاقًا وطنيًا يستند إلى معادلة بسيطة فحواها “إن لم يشعر المواطن بتحسن حقيقي في حياته اليومية، فإن كل الجهود تبقى منقوصة مهما كانت صادقة”.ورغم الجهد الواضح الذي بذلته الحكومة الحالية، وتكثيف عملها الميداني الذي لا يمكن إنكاره، إلا أن المصلحة الوطنية تقتضي اليوم فتح الباب أمام تعديل حكومي يُعيد ترتيب الأولويات، يلمس المواطن فيه تطورًا اقتصاديًا حقيقيًا، ويمنح السياسات المتبعة نفسًا جديدًا قادرًا على الاستجابة لتطورات المرحلة، خصوصًا في ظل ما شهده الشارع من ارتباك وتخبط ناجمين عن بعض الإجراءات الإدارية والتنظيمية رغم نُبل أهدافها النظرية ما أدى إلى إرباك في الفهم والتطبيق على حد سواء.ومن المؤسف أن بعض الوزارات لم تنجح في ترجمة النصوص إلى ممارسات واضحة ومقنعة، ما عمّق الفجوة بين المركز والمجتمع، وأضعف ثقة المواطن بإمكانية التغيير من داخل البُنية القائمة. وهنا يصبح التعديل الحكومي ضرورة لا انتقادًا، بل حرصًا على تصويب المسار، وتعزيز ثقة المواطن بالدولة ومؤسساتها، وتقديم إشارة واضحة بأن الدولة تستمع، وتقيّم، وتتحرك حين تتطلب المصلحة العليا ذلك.المرحلة المقبلة لا تحتمل التجريب، ولا تقبل بنهج التبرير. نحن بحاجة إلى فريق حكومي يحمل عقلية التنفيذ، يمتلك حساسية الواقع، ويعرف كيف يتعامل مع المواطن كشريك لا كمتلقٍ. والتغيير ليس ضعفًا، بل تجديد، ولا يعني فشل من مضى، بل إفساح الطريق لمن يستطيع البناء على ما تحقق.إن مسؤولية الدولة اليوم هي ترميم الثقة، واستعادة زمام المبادرة، وإعادة تشكيل العلاقة مع الشارع على قاعدة الإنجاز الحقيقي لا الانطباع الإعلامي. ولعلّ أول الطريق إلى ذلك هو التغيير او التعديل نهجا وممارسة.