المرشح لجائزة نوبل: العلامة شاهر المومني يعلق على مقياس النزاهة الأكاديمية

المرشح لجائزة نوبل: العلامة شاهر المومني يعلق على مقياس النزاهة الأكاديمية


مدار الساعة – كتب: الدكتور شاهر المومني (أستاذ متميز-الجامعة الأردنية) -كنت من أوائل من اطّلع على تصنيف مؤشر النزاهة الأكاديمية (RI²) ، وبعد تقييم مبدئي لهذا التصنيف، وجدتُ أنه تصنيف ضعيف ولا يستند إلى أسس علمية رصينة. فهو يعتمد فقط على مؤشرين اثنين لتقييم النزاهة العلمية للمؤسسات الأكاديمية، متجاهلًا العديد من المؤشرات المهمة الأخرى في هذا السياق. كما أن المؤشرين المعتمدين في هذا التصنيف محل خلاف علمي لعدة أسباب موضوعية. لم أكن أتخيّل أن يتم الحكم على مؤسساتنا الأكاديمية وسمعتها العلمية من خلال تصنيف بهذا المستوى من الهشاشة، وأن يصبح حديث الساعة في الأردن ويتم تداوله بشكل واسع داخل الأردن وخارجه، وكأنما صدر عن هيئة علمية دولية مرموقة، في حين أنه مجرد اجتهاد فردي قابل للصواب والخطأ على حد سواء. وعليه، فإن من أبرز الجوانب التي ينبغي التوقف عندها عند تقييم هذا التصنيف ومؤشراته ما يلي:” أولًا: مؤشر خطر السحب (Retraction Risk) هناك العديد من الأسباب التي قد تؤدي إلى سحب الأبحاث من النشر، وليس كل سحب للبحث دليلًا على سرقة علمية أو فساد علمي. فقد تكون الأسباب منهجية أو فنية غير مقصودة، وهو أمر طبيعي في البحث العلمي، ولا يمكن مقارنته بحالات السحب بسبب السرقات العلمية أو التزوير. ولهذا نرى أن العديد من العلماء البارزين، ومنهم حاصلون على جائزة نوبل، لديهم أبحاث مسحوبة لأسباب تقنية أو علمية بسيطة. كذلك، هناك باحثون يطلبون سحب أبحاثهم بعد النشر لاكتشافهم أخطاء في النتائج، وهذا أمر شائع في البيئات البحثية النزيهة. إن الاعتماد على هذا المؤشر يشكّل ظلمًا للباحثين النُزهاء الذين يتحلون بالشفافية في تصحيح أخطائهم، ويُشجع في المقابل على إخفاء الأخطاء خشية التأثير السلبي على تصنيف مؤسساتهم. ثانيًا: مؤشر النشر في مجلات محذوفة (Delisted Journal Risk) ليس كل المجلات التي تُسحب من قاعدة بيانات Scopus وWeb of Science تعتبر مجلات مفترسة. فبعضها يُعاد إدراجه بعد تصويب أوضاعه واستيفاء الشروط المطلوبة. ومن واقع تجربتي، فقد شاركتُ على مدى عامين ضمن فريق دولي في المشروع الذي أطلقته الشبكة العالمية للأكاديميات (IAP)، والتي تضم 140 مؤسسة أكاديمية عالمية متخصصة في العلوم والهندسة والطب، وكان الهدف مكافحة المجلات المفترسة والمختطفة. وعلى الرغم من الجهود المكثفة التي بُذلت على مدار عامين، لم نتمكن من إعداد قائمة معتمدة وموثوقة للمجلات المفترسة، وأن المواقع التي تزعم امتلاكها لمثل هذه القوائم تواجه انتقادات واسعة وتخضع لمساءلة قانونية في كثير من الأحيان. لذلك اكتفينا بإطلاق دليل إرشادي للباحثين بتسع لغات عالمية لمساعدتهم على تمييز هذه المجلات وتجنبها. والسؤال المطروح هنا: كيف استطاع مؤلف هذا التصنيف، الدكتور لقمان إمهو (Lokman I. Meho) من الجامعة الأميركية في بيروت، أن يحدد بشكل قاطع ما هي المجلات المفترسة؟لقد أصبحت فوضى التصنيفات الجامعية خطرًا حقيقيًا يهدد سمعة الجامعات والباحثين على حد سواء. ففي عام 2018، أجريتُ بالتعاون مع فريق من جامعة أوغوستا في ولاية جورجيا الأميركية، دراسة منهجية شاملة لجميع التصنيفات العالمية المتداولة آنذاك. وقد تبيّن أن هناك 27 تصنيفًا عالميًا، وبعد تقييم أولي، استُبعد منها 14 تصنيفًا لعدم استنادها إلى منهجية علمية واضحة. أما التصنيفات الثلاثة عشر المتبقية، فقد خضعت لتحليل دقيق كشف أنه لا يوجد تصنيف واحد يصلح لتقييم جميع المؤسسات الأكاديمية. بعض هذه التصنيفات تصدر عن مؤسسات أكاديمية أو دور نشر علمية، بينما تصدر أخرى عن أفراد مجهولين لا صلة لهم بالأوساط الأكاديمية، ويسعون إلى الربح السريع. وقد نُشرت نتائج هذه الدراسة في المجلة العالمية PLOS ONE، ويمكن الرجوع إليها كمرجع لتقييم أي تصنيف جديد.أن هذه الظاهرة لا تزال في مراحلها الأولى، إلا أن انتشارها السريع يفرض علينا التدخل الحازم للحد من آثارها السلبية. إذ نشهد يوميًا تصنيفات جديدة تُقيّم الجامعات والمجلات والباحثين، وتمنح شهادات دون سند علمي واضح، لذلك، أقترح تشكيل “لجنة وطنية لأخلاقيات النشر العلمي والنزاهة الأكاديمية”، تتولى مهمة تقييم التصنيفات العالمية، وإلزام الجامعات الأردنية — الرسمية والخاصة — بالتصنيفات المعتمدة من قبلها. كما تتولى هذه اللجنة متابعة جودة ونزاهة الإنتاج البحثي في الجامعات الأردنية، وضمان الالتزام بالمعايير الأخلاقية الدولية في مجال النشر الأكاديمي.