الرزاز يُصدر دعوة وطنية واضحة من ديوان التل (صور)

الرزاز يُصدر دعوة وطنية واضحة من ديوان التل (صور)


مدار الساعة – محمد قديسات – في لحظة تاريخية تتقاطع فيها التحديات الإقليمية بالتحولات الدولية الكبرى، أطلق رئيس الوزراء الأسبق الدكتور عمر الرزاز خلال ندوة أقيمت في ديوان آل التل بمدينة إربد مسا الاربعاء نداءً وطنيًا صريحًا يدعو إلى التحرك خارج أطر التشخيص والتحليل، نحو بناء مشروع وطني أردني بأفق عربي، يتصدى للمشروع الصهيوني الذي لم يعد مجرد طموح نظري، بل بات يتحرك بخطى واثقة نحو ما يُعرف بـ”إسرائيل الكبرى”، في ظل غياب عربي طال أمده، وواقع إقليمي هشّ. الندوة التي أدارها الإعلامي محمد حسن التل جاءت تحت عنوان “انعكاسات التطورات الدولية على الساحة المحلية والإقليمية”، وشهدت نقاشًا عميقًا حول طبيعة المرحلة التي يمر بها الأردن والمنطقة. وقد أكد الرزاز أن الخطر الحقيقي الذي يجابه الأردن اليوم هو صراع وجود، يتمثل بمحاولات التهجير القسري وتوطين الفلسطينيين، في محاولة مكشوفة لإلغاء القضية الفلسطينية من جذورها، ومصادرة السيادة الأردنية، عبر سياسات تبدو في ظاهرها إنسانية لكنها في جوهرها استعمارية. وأشار إلى أن ما يحدث ليس جديدًا على الوعي الوطني الأردني، وإنما هو امتداد لمسار كولونيالي يُعاد إنتاجه بأدوات مختلفة، لكنه يهدف إلى السيطرة على المنطقة وإعادة تشكيلها بما يخدم مشروعًا توسعيًا واضح المعالم.الرزاز أعاد التأكيد على الثوابت الأردنية التي يجسدها جلالة الملك عبد الله الثاني في جميع المحافل الدولية، والمتمثلة في اللاءات الثلاث: لا للوطن البديل، لا للتوطين، ولا للمساس بالقدس. هذه الثوابت لم تُؤثّر فقط في موقف الداخل، بل تركت صدى واضحًا في مواقف الدول العربية وأوروبا والولايات المتحدة، حيث بات الأردن يُنظر إليه بوصفه صوتًا عاقلًا ومبدئيًا في إقليم يعج بالتقلبات.وفي ظل هذا السياق الملتهب، رأى الرزاز أن الجبهة الداخلية هي الورقة الأقوى في يد الأردن، مشيرًا إلى أن صلابتها تأتي من تماسكها الاجتماعي، ومن القيادة الهاشمية التي ظلت الضامن الأكبر للوحدة الوطنية، وكذلك من القوات المسلحة والمؤسسات التي ما زالت تتمسك بثوابتها الوطنية. ولفت إلى أن الأردنيين من شتى المنابت والأصول وقفوا سويًا دفاعًا عن الأرض والهوية، في معارك مصيرية كمعركة اللطرون وباب الواد، دون أن يسأل أحدهم عن أصل الآخر أو هويته السياسية. لكن هذه الجبهة ليست بمنأى عن التهديد، حيث يعمل الكيان الصهيوني بشكل مستمر على اختراقها وزرع بذور الانقسام فيها، مستغلًا أي شرخ اجتماعي أو سياسي لتحقيق أهدافه.ولم يكتف الرزاز بالتحذير، بل قدّم تصورًا عمليًا للتحصين الداخلي، يبدأ بضرورة إعادة بناء مشروع وطني متكامل في أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية، يضمن الاعتماد على الذات، وتنويع مصادر المياه والطاقة، والانفتاح على المشاركة الشعبية، وخصوصًا فئة الشباب، من خلال برامج بناء الانتماء الوطني وخدمة العلم، وتعزيز المهارات التي يتطلبها سوق العمل. كما دعا إلى إعادة تفعيل المجلس القومي للتخطيط، كمؤسسة فوق حكومية تضبط إيقاع العمل العام وتضمن الاستمرارية في السياسات والرؤى، دون أن تحلّ محل وزارة التخطيط، بل تعمل إلى جانبها بوصفها عقل الدولة المفكر.وأشار الرزاز إلى أن التحولات الدولية المتسارعة، والتي تشهد أفول الهيمنة الأمريكية الأحادية، وصعود نظام عالمي متعدد الأقطاب، تستدعي من الدول العربية إعادة بناء مشروعها القومي العربي، وملء الفراغ الذي تسعى إسرائيل إلى احتلاله، مؤكدًا أن الأردن، كما يقف في الخطوط الأمامية في مواجهة المشروع الصهيوني، عليه أن يكون أيضًا في طليعة مشروع عربي جامع، يستند إلى السيادة والكرامة والعدالة.وفي تفكيكه للرواية الصهيونية، أوضح الرزاز أن العداء العربي لم يكن يومًا لليهودية كدين، بل للمشروع الصهيوني بوصفه استعمارًا إحلاليًا، مؤكدًا أن الوعي الشبابي العربي والدولي بهذه الحقيقة بات أكثر وضوحًا، والدليل مظاهرات الآلاف من الشباب المناصر للقضية الفلسطينية في عواصم العالم، وهو مؤشر حيوي على أن الرواية البديلة أصبحت قابلة للحياة والانتشار.وفي ختام حديثه، استعرض الرزاز البعد التاريخي لديوان التل، مشيرًا إلى أنه لم يكن مجرد ملتقى اجتماعي، بل منبرًا وطنيًا احتضن رموزًا أردنية فكرية ونضالية، من عرار إلى وصفي التل، ومن عبد الله التل إلى الشيخ عبد القادر ومريود، الذين شكّلوا ملامح الهوية الأردنية المستقلة. كما استذكر العلاقة التي ربطت والده، المفكر منيف الرزاز، بالشهيد وصفي التل، والحوارات الغنية التي دارت بين العائلتين، وتُوجت بعد نكسة حزيران 1967 بكتاب “دروس في الهزيمة”، بمشاركة نخبة من المفكرين العرب الذين امتلكوا شجاعة الاعتراف بالهزيمة، وتسمية الأشياء بمسمياتها، دون مواربة أو تبرير.لقد كان لقاء ديوان التل مع الدكتور عمر الرزاز ليس مجرد حديث سياسي، بل استدعاءً لذاكرة وطنية لا تزال تنبض، ومحاولة جادة لوضع أسس لمستقبل مختلف، يحفظ الأردن من العواصف، ويرسّخ موقعه كدولة راسخة في قلب المنطقة، ترفض أن تكون هامشًا أو تابعًا، وتصرّ على أن تكون صاحبة مشروع، لا ضحية لمشاريع الآخرين