الزيود تكتب: الميثاق الوطني.. من الهيكلة إلى بناء التماسك السياسي ـ بقلم: دعاء الزيود

ليس سرًا أن الأحزاب لا تُقاس فقط بما تصرح به، بل بما تخفيه حركة صمتها، وما تبنيه من تحت الطاولة حين تسود الضجيج فوقها. حزب الميثاق الوطني اليوم لا يدوّي بالشعارات، بل يعمل بهدوء يشبه إعداد “نبتة جماعية”، تمتد جذورها عميقًا في الأرض الأردنية، وتنتظر أن تطرح ثمارها في ظلّ الدولة لا خارجها. إن الاجتماع الأخير للمكتب السياسي برئاسة الأمين العام المكلّف لتسيير الأعمال لم يكن تفصيلًا عابرًا، بل هو انعكاس لمرحلة “مراجعة داخلية واعية” بعد استقالة المجلس السياسي السابقة. هنا لا تبدو الاستقالات ارتباكًا، بل مدخلًا لتجديد الدم، وإعادة ترتيب أدوات الحزب بما يناسب المرحلة.الميثاق، كما يبدو من قراءته الأخيرة للمشهد المحلي، لا يريد أن يُقال عنه بأنه “تحرك سياسي”، بل يريد أن يُفهم باعتباره سقفًا معنويًا يتسع للمجتمع، لا مظلة حزبية مغلقة. هو يحاول أن يكون “الرأي المشترك”، لا رأيًا واحدًا متسلطًا. هو يعمل على تلخيص الإجماع لا تأطير الخلاف. وتلك سِمة عقل الدولة، لا سلوك الحزبي الغريزي.ما يفعله الميثاق الآن من تشكيل لجان، والتحضير لنقاش قانون الإدارة المحلية، هو في حقيقته اشتباك مع الواقع من داخل فهمه، لا من خارج انفعاله. الحزب لا يحشد الناس حول القوة، بل يريد أن تكون القضية هي التي تحشد القوى. وفي هذا فرق كبير.اليوم، بات واضحًا أن الميثاق لا يسعى لتجييش الناس، بل لتكوين ثقافة سياسية جديدة، تعترف بأن السياسة ليست مجرد مواجهة، بل هي توافق ضمني على قاعدة دستورية واحدة، ومسارب متعددة للعيش المشترك.ولعل أخطر ما يمكن للمتابع أن يغفله، أن الميثاق – وهو في سنه الحزبي المبكر – يخطو نحو مفهوم “التحزّب المسؤول”، حيث لا تُدار المؤسسات بالشغف وحده، بل بالحسابات والتمهّل وبناء الإطار لا القفز فوقه.إذا كانت السياسة الأردنية في أمسّ الحاجة لحزب يملك “المسؤولية الهادئة” و”الحسّ الدستوري”، فإن الميثاق – بمراجعاته لا بشعاراته – يقدّم نفسه كمن يكتب النصّ الجديد للتماسك السياسي، لا كمن يصرخ فوق أسطر ممزقة.ولهذا كله، من المبكر أن نُحصي الثمار، لكن من الحكمة أن نراقب بدقة كيف تُزرع البذور، ومن الذي يعتني بها، ومن الذي يحرثها بفهم، ويسقيها بماء الالتزام الوطني لا الطموح الشخصي.