القيسي يكتب: الدستور تحت وطأة العنف.. فارس الحباشنة نموذجاً ـ بقلم: جمال القيسي

القيسي يكتب: الدستور تحت وطأة العنف.. فارس الحباشنة نموذجاً ـ بقلم: جمال القيسي


يثير الاعتداء الجسدي العنيف الذي تعرّض له الصحفي فارس الحباشنة أمام منزله – عقب إخلاء سبيله بالكفالة في دعوى أقامتها عليه وزارة – قلقا بالغا، ليس فقط لخطورة الحادث الدموي بحد ذاته، بل لما يمثّله من انتهاك صارخ للحقوق الدستورية، وتحديدا لحرية التعبير. الدستور الأردني ينص في المادة 7 منه بوضوح على أن “الحرية الشخصية مصونة” ، وهو النصالذي لم يُقيَّد بعبارة “في حدود القانون”، ما يؤكد مكانته المتقدمة في النظام الدستوري. وتندرج حرية التعبير في صلب هذه الحريات، لا في هامشها.وفي الوقت الذي لا نتدخل فيه بمجريات القضية المنظورة أمام القضاء، فإن قرار النيابة العامة بإخلاء سبيل الصحفي الحباشنة يؤكد مبدأ قرينة البراءة ويعبّر عن تطبيق سليم للقانون؛ حيث إن التوقيف تدبير احترازي، لا عقوبة استباقية.أما الاعتداء على إنسان بسبب رأيه أو أفكاره، فهو ناقوس خطر كبير يتجاوز واقعة فردية إلى مساس بهيبة الدولة وسيادة القانون؛ إنه مؤشر خطير على ما قد تؤول إليه الأمور إذا تُركت حرية الرأي رهينة للعنف أو الانتقام أو التعسف في استخدام السلطة.هذا الحادث، بما يحمله من دلالات سياسية وقانونية، يجدد الدعوة لإجراء تعديل جذري لقانون الجرائم الإلكترونية، بما يضمن عدم استخدامه لتقييد الحريات أو استهداف الصحفيين وأصحاب الرأي.إن حرية التعبير ليست منّة من أحد، بل هي ركن أصيل في بناء الدولة الحديثة، وضمانها هو ما يصون كرامة الأفراد وهيبة المؤسسات معا. ما نحتاجه اليوم هو أن نحتكم جميعا للحكمة والقانون، لا للغضب والانفعال؛ فالاختلاف لا يبرر الإيذاء، والنقد لا يُواجه باليد، بل بالحجة والكلمة. وفي نهاية المطاف، لا تُقاس قوة الرأي بسطوة الردع، بل بقدرتها على استيعاب الآخر المختلف وصون حرية الرأي في أحلك الظروف.