التربية الإسلامية في سياق تاريخ الأردن: دراسة تربوية حول قرار تقليص ساعات التربية الإسلامية

مدار الساعة – كتب عمر حسن شعبان (مشرف وخبير تربوي) – تُشبه مادة التربية الإسلامية في النظام التربوي البوصلة في يد بحّار وسط محيط متلاطم، لا غنى له عنها ليحفظ الاتجاه ويصل إلى برّ الأمان. فحين يدخل الطالب مرحلة المراهقة المتأخرة، بما فيها من تقلبات فكرية وسلوكية ونفسية، فإنه يكون بأمس الحاجة إلى مرجع قيمي ثابت، يضبط اختياراته ويصون قراراته. من هنا، تتجاوز التربية الإسلامية وظيفتها الأكاديمية نحو تكوين الضمير الأخلاقي، وتعزيز السلوك القويم، وتأصيل الانتماء لله والناس والوطن. وفي هذا السياق، أثار القرار الصادر عن لجنة التخطيط في وزارة التربية والتعليم (محضر رقم 14/2025) نقاشًا واسعًا بين المختصين، حيث تم فيه تقليص عدد حصص التربية الإسلامية للصف الحادي عشر مقابل زيادة زمن مبحث تاريخ الأردن. وجاءت هذه المراجعة لتطرح تساؤلات موضوعية حول التوازن التربوي المطلوب بين بناء الوعي الوطني وترسيخ المرجعية القيمية.تفاصيل القرار: حذف وتوسعةنص القرار – كما رشح – على حذف درسين من وحدة العقيدة والسلوك، ودمج درسين في الفقه والمعاملات، بالإضافة إلى حذف درس “الغزو الفكري” وتحويله إلى إشارات ضمنية. في المقابل، تقرر توسيع مبحث تاريخ الأردن بإضافة وحدة جديدة عن “الصراع العربي الصهيوني”، وتعزيز محتوى الثورة العربية الكبرى، ودور الجيش، والدستور، والهوية الوطنية.خصوصية المرحلة العمرية: من الانفعال إلى التكوينطلبة الصف الحادي عشر يمرون بمرحلة فارقة تربويًا، تُعرف – وفق علماء النفس التربوي كـ”بياجيه” و”إريكسون” – بمرحلة التكوين الفكري والاستقلال القيمي، وهي مرحلة تتطلب خطابًا تربويًا يعزز التفكير النقدي، ويرسخ المبادئ الأخلاقية، ويصوغ الانتماء بصورة غير انفعالية. يقول الدكتور عبد الرحمن النحلاوي، أحد رواد التربية الإسلامية: “التربية الإسلامية لا تكتفي بترسيخ المعلومات، بل تهدف إلى تكوين الإنسان المتزن المتكامل، القادر على التمييز واتخاذ القرار الأخلاقي.”وهذا ما يجعلها، بحسب المختصين، مبحثًا بنيويًا لا تكميليًا، لا سيما في ظل تزايد التحديات السلوكية والاجتماعية التي تحاصر الطلبة من داخل الأسرة ومن خارجها، من العالم الرقمي، والشارع، والمنصة.التاريخ الوطني: ضرورة معرفية لا بديل للقيمفي المقابل، فإن توسيع مبحث تاريخ الأردن يُعد ضرورة وطنية في ظل ما تمر به المنطقة من تحديات جيوسياسية ومعرفية. فترسيخ الهوية الوطنية، وربط النشء بجذور الدولة ومؤسساتها، يعزز الانتماء ويحفظ كينونة الوطن. غير أن الهوية القيمية والدينية ليست نقيضًا للهوية الوطنية، بل شريكٌ في بنائها.ويؤكد عالم النفس التربوي “فيجوتسكي” أن دمج المعرفة التاريخية في وعي الطالب يعزز من قدراته على التفكير النقدي واتخاذ المواقف الاجتماعية الواعية.حماية القيم في زمن الفوضىتُظهر تقارير المجلس الأعلى للسكان (2023) مؤشرات مقلقة حول تصاعد ظواهر الإدمان، والتفكك القيمي، والعنف بين فئة الشباب. ومع انتقال عدد كبير من الطلبة بعد المرحلة الثانوية للدراسة في الخارج، فإن الفراغ القيمي يتحول إلى خطر وجودي، إذا لم تُزود الشخصية بما يحصنها ويؤهلها للثبات والممانعة.يقول الدكتور ماجد عرسان الكيلاني: “إذا فقد الإنسان مرجعيته القيمية، ضاعت منه القدرة على التمييز بين ما ينبغي فعله وما ينبغي تركه، وهذه هي بداية الانهيار التربوي.”الانتماء للوطن يبدأ من الإيمان بالحقوللتربية الإسلامية دورٌ مركزي في تعزيز الانتماء الوطني وحماية الوطن. فهي تُعلّم الطالب أن حبّ الوطن ليس ترفًا شعوريًا، بل عبادة إذا اقترنت بالنية الصالحة والعمل الصادق. ومن خلال النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، وسير الصحابة في بناء المجتمع، يرسخ في وعي الطالب أن الدفاع عن الأرض، والوفاء للمؤسسات، والمشاركة في نهضة المجتمع هي من صميم الإيمان. وقد أشار الدكتور محمد الراشد إلى ذلك بقوله: “الانتماء للوطن لا يُزرَع في القلب إلا إذا زُرِع قبله الإيمان بأن حماية الأرض واجب شرعي، وأن العمل لأجل رفعة الأمة عبادة.”وهذا ما يجعل التربية الإسلامية – إن قُدمت بشكل صحيح – رافعة للانتماء الصادق، لا منافسًا له.أزمة المرجعية: الدخن المفاهيميتعرّضت مادة التربية الإسلامية خلال السنوات الأخيرة لعدد من التعديلات غير المنسجمة مع مرجعيتها الأصلية. فقد تم إدخال مفاهيم تتعلق بـ”النوع الاجتماعي” و”التسوية الجندرية”، مأخوذة من اتفاقيات دولية لا تحظى بتوافق مجتمعي ولا تنسجم مع الوحي الإسلامي.هنا تبرز الحاجة إلى تنقية المبحث من هذه المفاهيم الهجينة، وإعادة بنائه على أسس أصيلة، تنبع من الكتاب والسنة، وتستند إلى الإرث الحضاري الإسلامي التربوي. وإن كان لا بد من تضمين بعض المفاهيم الحديثة، فليكن ذلك ضمن مبحث التاريخ أو الثقافة العامة، حيث تُطرح كمعارف، لا كقيم ملزمة.توصيات تربويةانطلاقًا من التحليل السابق، تبرز جملة من التوصيات:1. وقف اختزال حصص التربية الإسلامية، وإعادتها إلى وضعها الطبيعي بوصفها مبحثًا تكوينيًا.2. إزالة المفاهيم الدخيلة التي لا تنسجم مع مرجعية الإسلام من المنهاج.3. تحويل المواد ذات الطابع الأممي إلى سياقات تحليلية في مباحث غير دينية.4. تعزيز الأنشطة التربوية التي تُسهم في ترسيخ القيم والهوية الدينية داخل وخارج الصف.5. إجراء تقييم وطني بعد عام دراسي من تنفيذ القرار لقياس الأثر الحقيقي على الطلبة.خاتمةليست المشكلة في عدد الحصص، بل في الفلسفة التي تحكم توزيعها، والمضامين التي تُبنى عليها. فإن جعلنا مبحث القيم تابعًا لا مرجعًا، ومادةً موزونة لا ميزانًا، فقد خسرنا عمق التربية مقابل اتساع المحتوى. والأمم لا تنهض بكثرة المعلومات، بل بوضوح القيم، وصلابة الضمير، وانتماء الفرد لربه ودينه ووطنه.