قرقودة تكتب: التحولات والالغاءات.. مجالس في تقاطع الوعي ـ بقلم: تغريد جميل قرقودة

قرقودة تكتب: التحولات والالغاءات.. مجالس في تقاطع الوعي ـ بقلم: تغريد جميل قرقودة


في لحظة سياسية غريبة الملامح، يخرج القرار فجأة: حلّ المجالس البلدية والمحافظات وأمانة عمّان. القرار لا يشبه عاصفة ولا يشبه نسيمًا، بل هو بين بين، لا هو ثورة ولا هو إصلاح، إنما نقطة توقف تُشبه كثيرًا تلك اللحظة التي يتوقف فيها القلب لجزء من الثانية ثم يعاود النبض مترددًا… هل نكمل بهذا الجسد؟ أم نبحث عن قلب جديد؟ يتساءل المواطن الذي لم يعُد يحتمل تخمة التجريب: ما الذي تغيّر؟ وهل هذا الحلّ هو مقدّمة لتصويب المسار أم استراحة لإعادة ترتيب اللاعبين؟وهل الحلّ جاء نتيجة لتقييم علمي واضح؟ أم هو نتاج مزاج سياسي أو رؤية مركزية تعيدنا لما قبل حلم اللامركزية الذي وُلد على استحياء؟إن تعيين الشباب في مواقع قيادية، وإعادة هيكلة بعض الدوائر، وحتى استبدال مدراء في بعض المؤسسات والنقابات، خطوة قد تبدو واعدة. ولكن التغيير لا يكون بوجوه جديدة فقط، بل بفكر جديد يُحاسب ويُقيم ويُمنهج، لا أن يُزيّن القرار بترويج إعلامي سريع ويُترك الشارع يبحث عن المعنى.ومع كل هذه التحركات، أجدني أتحفّظ كثيرًا على ما تم تداوله حول إبعاد نقابة الصحفيين عن مشهد القرار، وهي التي تمثل عين الحقيقة وكلمة الناس، وكان أولى أن تُدعى لا لتصفّق، بل لتراقب، تحاور، وتُسائل، لا أن تُقصى تحت ذرائع بروتوكولية.الأهم من ذلك كله هو ما يتم تداوله خلف الكواليس عن إلغاء مجالس المحافظات (اللامركزية)، وهو إن تمّ، سيكون خيبة فكرية للمشروع الذي وُلد ليعطي الأطراف صوتًا، ويعيد للتنمية روحها في مناطق طالها النسيان. وإن كنا ننتقد أداء تلك المجالس، فإن النقد لا يعني الإلغاء، بل يعني التصويب، وتطوير آليات اختيار الأعضاء، وإعادة تعريف الدور والصلاحيات.ما نحتاجه اليوم ليس قرارات مفاجئة، بل حوار وطني جامع، نسمع فيه المختصين: رؤساء وزراء سابقين، وزراء داخلية وتنمية ومحليين، أصحاب التجربة والرأي، لنفهم هل المشكلة في الفكرة؟ أم في التطبيق؟ أم في غياب التقييم والرقابة؟نعم، نحن نحتاج التغيير، ولكن نحتاجه بعقل لا بعجلة، برؤية لا بردّة فعل. فالديمقراطية المحلية ليست ديكورًا، واللامركزية ليست ترفًا، بل هي مسار شاق طويل يبدأ بتمكين المواطن من أن يشعر أن صوته يحدث فرقًا، وأنّ من اختاره لا يُحلّ بقرار، ولا يُلغى بحبر على ورق.لقد تعبت المجالس من الحلّ، وتعب المواطن من الحلول المؤقتة. والمطلوب اليوم ليس تغيير مقاعد، بل تغيير فلسفة الإدارة العامة، لتكون أقرب للناس، أصدق في خطابها، وأشجع في الاعتراف بأنّ الوطن لا يبنيه مركز واحد… بل شراكة عقول وقلوب في المركز والأطراف.