حوار هادئ حول مقال فهد الحسبان بعنوان “خارطة طريق (2) نحو نظام وطني لمعلومات الشباب” – من تأليف غسان ابزاخ.

قرأت باهتمام بالغ المقال الذي كتبه الزميل فهد الحسبان، الذي عمل مستشارًا لفترة في مكتب وزير الشباب، وتناول فيه بجرأة ووضوح فكرة الحاجة إلى نظام وطني للمعلومات الشبابية، يكون مرجعًا للدولة بأسرها، لا مجرد أداة بيد الوزارة وحدها. لا شك أن الفكرة التي طرحها تستحق النقاش والدعم، بل إن بناء منظومة وطنية للمعلومة الشبابية بات ضرورة ملحّة، في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها مجتمعنا، وتباين أولويات الشباب واهتماماتهم من محافظة إلى أخرى.لكن، ومن خلال تجربتي العملية التي امتدت لسنوات في العمل الشبابي، حيث عملت مع سبعة وزراء للشباب، وكنت شاهدًا على أدق تفاصيل هذا الملف كصحفي وكسكرتير خاص في مكتب الوزير، أستطيع أن أقول بثقة إن المشكلة لا تكمن فقط في غياب “نظام البيانات”، بل في أزمة أعمق تتعلق بجوهر العلاقة بين الشباب والمؤسسات الشبابية نفسها. إنها أزمة الثقة.هذه الأزمة لا يمكن تجاهلها ولا القفز عنها، فقد لمستها بنفسي في عشرات الاجتماعات، والزيارات، ولقاءات المجالس الشبابية والمراكز والمنتديات، وسمعتُها تتردد بوضوح في أحاديث الشباب أنفسهم، حين يسألون بلا مواربة: لماذا تجمعون هذه المعلومات؟ أين تذهب بعد جمعها؟ وهل هناك أي أثر حقيقي يعود عليهم منها؟المشكلة هنا ليست عند الشباب، بل في تجاربهم السابقة مع بعض المؤسسات التي جمعت البيانات ثم اختفت النتائج، أو ظلت حبيسة الأدراج، أو استخدمت فقط لأغراض العلاقات العامة.حين يشعر الشباب أن دورهم ينتهي بمجرد تعبئة استبيان أو المشاركة في لقاء شكلي، فمن الطبيعي أن يفقدوا ثقتهم بأي نظام بيانات، مهما كان متطورًا.ومن خلال تجربتي الطويلة، أقول بوضوح: لا يوجد نظام بيانات شبابية ناجح ما لم يُبنَ أولًا على قاعدة صلبة من الشفافية والمشاركة وربط المعلومة بالقرار.الثقة لا تُبنى بالنوايا الطيبة ولا بالوعود، بل حين يرى الشباب بعيونهم أن المعلومة التي قدموها تُعامل باحترام، وأنها ليست مجرد أرقام تضاف إلى تقارير موسمية، بل هي مدخل لتغيير فعلي في السياسات والبرامج.الثقة تبدأ حين تعلن المؤسسة الشبابية، بوضوح وعلانية، عن أهداف جمع البيانات، وتوضح كيف ستُستخدم، ومن سيطّلع عليها، وتُعطي الحق للشباب بالاطلاع على نتائجها ومخرجاتها.وتترسخ الثقة أكثر عندما لا يُنظر إلى الشباب باعتبارهم مجرد “عينة دراسة”، بل كشركاء حقيقيين في تحليل النتائج وصياغة التوصيات وتوجيه الخطط، سواء عبر المجالس الشبابية أو من خلال آليات مشاركة إلكترونية أو ميدانية فعالة.لكن، الأهم من كل ذلك، أن الثقة تترسخ فعلًا حين يرى الشباب أن المعلومة التي تعبوا في تقديمها قد تحولت إلى قرارات ملموسة، إلى برامج حقيقية تم إطلاقها بناءً على احتياجاتهم، إلى تمويل تم إعادة توجيهه لصالحهم، إلى أولويات تم تعديلها بناءً على تحليلات واضحة، لا على المزاج ولا على العادة.ما طرحه الزميل فهد الحسبان مهم جدًا، ويضيء على مسار مهم ومطلوب، لكن الحقيقة الأعمق هي أن أي نظام بيانات سيظل بلا جدوى إن لم يُسبقه “عقد ثقة” جديد مع الشباب، يبدأ من الشفافية، ويستمر بالمشاركة، ويتجسد في النتائج الملموسة.نحن لا نحتاج فقط إلى “نظام بيانات”، بل إلى إعادة صياغة العلاقة مع الشباب من الأساس.لأن أجمل الأنظمة، وأضخم المشاريع، ستظل بلا معنى، إذا ظلت الثقة غائبة.الحديث عن بيانات الشباب هو، في جوهره، حديث عن بناء ثقة… وإلا سنظل ندور في ذات الدائرة المغلقة.ـــهذا المقال يعبر عن رأيي وتجربتي الشخصية، ويأتي في إطار نقاش مهني مفتوح، احترامًا لحرية الرأي والرأي الآخر