المحامي طارق أبو الراغب يكتب: مستشارية العشائر… رابط بين التراث والحداثة في إطار دولة المؤسسات والقانون

المحامي طارق أبو الراغب يكتب: مستشارية العشائر… رابط بين التراث والحداثة في إطار دولة المؤسسات والقانون


قد يظن البعض أن العشائرية مجرد إرث اجتماعي ماضوي، أو أنها طقوس شكلية تُمارس في المناسبات والأزمات، دون إدراك أن العشائرية السليمة هي درع اجتماعي وأمني حقيقي للوطن، وأحد أعمدة استقراره وهدوئه الداخلي. العشائرية الأردنية ليست حالة طارئة على كيان الدولة، بل هي جزء أصيل من بنيتها المجتمعية والسياسية، قامت الدولة على احترامها وتنظيمها، وتعاملت معها كرافد للاستقرار لا كندّ للقانون أو الدولة. هذه العشائرية، عندما تُمارس وفق أسسها التاريخية والأخلاقية، تتحول إلى شبكة أمان، وحلقة وصل، ومظلة رحمة، تحمي المجتمع من الانزلاق نحو النزاعات وتساهم في ترسيخ الأمن والطمأنينة.في زيارتي الأخيرة مع مجموعة من الإخوة إلى مستشارية العشائر في الديوان الملكي الهاشمي، أدركت عن قرب كيف تُمارس العشائرية بشكلها المؤسسي الحكيم، من خلال تقريب وجهات النظر، والتدخل لإنهاء النزاعات، ومعالجة القضايا الكبرى، وتعزيز أواصر اللحمة الوطنية. هذه المستشارية ليست مجرد جهة تنظم الألقاب أو تستقبل الوفود، بل هي مؤسسة وطنية تعمل بصمت، تُجالس الوجهاء وشيوخ العشائر، تستمع إليهم، وتتعاون معهم، وتحترم مكانتهم، لتكون حلقة وصل بين الدولة ومجتمعها في القرى والبادية والمدن.أدركت وأنا أستمع إلى كنيعان باشا البلوي، المسؤول عن المستشارية، أن هذه المؤسسة لا تصنع الصلح فحسب، بل تصنع الاستقرار، وتعيد الحقوق لأصحابها بحكمة وعقل، وتفتح الأبواب المغلقة لحلولٍ تحفظ هيبة الدولة وتصون كرامة الأفراد في آن معًا.إن العشائرية السليمة، التي تقوم على العدل، والكرم، والإصلاح، والصلح، هي جزء من منظومة العدالة الاجتماعية والدستورية في الأردن، ولا تنفصل عنها. وعندما تعمل مؤسسات الدولة على تمكين هذا الدور وضبطه ضمن الأطر القانونية، فإنها بذلك تحافظ على روح العشائرية وتضمن استمراريتها كحارس اجتماعي يعزز الوحدة الوطنية ويصون السلم الأهلي.ختامًا، أقول شكرًا لهذه المؤسسة التي تعمل بصمت، وشكرًا لرجالاتها الذين يواصلون الليل بالنهار من أجل الوطن وأهله. الله يعطيكم العافية، ويحفظ هذه البلاد التي نحبها جميعًا، ونحميها جميعًا، بما نملك من أدوات حكيمة، أبرزها: العشائرية السليمة المنضبطة في إطار الدولة والقانون.