الفرصة الأخيرة – تأليف: د. صلاح العبادي

الفرصة الأخيرة – تأليف: د. صلاح العبادي


تتزايد المؤشرات حوّل إمكانيّة التوصل إلى تهدئة في غزّة.. المؤشرات هذهِ المرّة ربما تختلف عن سابقتها، فهي ربما أنّ تكون أقوى وأكثر مصداقيّةً في ظل وجود رغبةٍ من كل الأطراف للتوصل إلى اتفاق طال انتظاره.حركة “حماس” أكّدت بأنّها ترغب في ضمانات لوقف الحرب، فهل تقبل إسرائيل؟ وهل ستكون هذهِ هي الفرصة الأخيرة لإنهاء الحرب والتوصل لاتفاقٍ بشأن غزّة؟ أم ستتفاقم الكارثة الإنسانية في القطاع بعد مرور 20 شهراً من الحرب الإسرائيلية، وسيستمر سلوك الطريق إلى الموت من قبل طرفي الحرب على حساب أهل غزّة؟!.حماس قدمت ردّها الذي وصف بـ”إيجابية”؛ بعد مشاورات حول بعض البنود والضمانات، فيما يواصل الوسطاء جهودهم من أجلِ نجاح مساعي التهدئة.حركة حماس سلّمت ردّها إلى الوسطاء، موضحة أن الرد “اتسم بالإيجابية”.وأشارت حماس إلى استعدادها بكل جديّة للدخول فوراً في جولة مفاوضات حول آلية تنفيذ هذا الإطار، بما يحقق تطلعات الشعب الفلسطيني، ويضع حداً للاعتداءات المستمرة على غزّة، في وقت تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن تلك الظروف غير الإنسانيّة في القطاع تهدد بدفع ما يقرب من نصف مليون شخص إلى المجاعة بحلول نهاية شهر أيلول المقبل.وقبيل أن تتلقى حماس المقترح الأمريكي كانت صحيفة التايمز البريطانيّة أفادت بأنّه طلب من كبار قيادات حماس في الدوحة تسليم أسلحتهم الشخصيّة. وذكرت الصحيفة أنّ كبار قادة الحركة خارج قطاع غزّة بمن فيهم كبير المفاوضين خليل الحيّة وشخصيّات رئيسية أخرى، تلقوا تعليماتٍ من الوسطاء القطريين بتسليم أسلحتهم الشخصيّة. ومن بين الذين طلب منهم تسليم أسلحتهم أعضاء في المكتب السياسي للحركة زاهر جبارين ورئيس مجلس شورى الحركة محمد درويش.وتؤكد الحركة بأنّها تتطلع إلى الحصول على ضمانات من قبل الإدارة الأمريكية بعدم استئناف إسرائيل للحرب، وبأن يؤدي المقترح الأمريكي الجديد لإنهاء الحرب فعلياً.وزير الخارجيّة الإسرائيلي جدعون ساعر أشار إلى وجود مؤشرات إيجابيّة حول صفقة الرهائن. كما أنّ إسرائيل ألقت الكرة مرةً أخرى في ملعب حماس، عندما صرح وزير خارجيّتها بأنّ الحرب في قطاع غزّة يمكن أن تنتهي فوراً إذا أطلقت حماس سراح المحتجزين، وقامت بإلقاء السلاح!.وبينما تتكثف المساعي الدبلوماسيّة لابرام صفقة في قطاع غزّة، يبدو أنّ إسرائيل تريد التفاوض تحت النار، إذ أعلن الجيش الإسرائيلي إنتهاء عملية “عربات جدعون”، وبدء عملية ما سماها ” الأسد ينهض”، مشيراً إلى الانتقال إلى مرحلة جديدة من الحرب في قطاع غزّة. إذاعة الجيش الإسرائيلي ذكرت بأنّ هذه المرحلة تهدف إلى تحقيق هدفين؛ أحدهما إعادة الرهائن، والآخر هو ضمان عدم وجود “حماس” في غزّة.الترقب يسود أجواء غزّة، فيما تتزايد المؤشرات بشأن قرب التوصل إلى اتفاق تهدئة، وتتكشف تدريجياً ملامح الاتفاق المرتقب، وملامحه وفقاّ لرؤية كل من إسرائيل وحماس. إلا أنّ إسرائيل تواصل حربها مع تقديم المقترح الأمريكي للتوصل إلى هدنة في القطاع؛ بهدف إبقاء الضغط قائم على حماس مع هامش تفاوضي تتحكم فيه أمنياً.كما أنّ المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي ركزت على نقاط الانتشار والانسحاب الإسرائيليّة خلال فترة هذهِ الهدنة، في المقابل تشدّد حماس على إنهاء الحرب وانسحاب الجيش الإسرائيلي وادخال المساعدات الإنسانيّة، الأمر الذي يشير إلى أنّ الحركة تنظر إلى تهدئة كجزء من تسوية شاملة.بنود الرهائن والأسرى لم تعد مكان خلاف كما كان في السابق، لكن ما يطرح على طاولة التفاوض أبعد من ذلك؛ إذ أنّ المفاوضات تطال مصير سلاح حماس ومستقبل قادة الحركة، وتموضع وانتشار القوات الإسرائيلية حتى أثناء فترة الهدنة.ربما أنّ اللحظة الحاسمة حول هذا المقترح تبقى معلّقة بسؤالٍ واحد يتمثل؛ من يملك قرار القبول والرفض لدى حركة حماس؟!إسرائيل بحسب المقترح الذي قدم لم تلتزم بإنهاء الحرب بعد فترة الهدنة المقترحة، بل بمواصلة التفاوض بشأن إنهاء الحرب بعد انتهاء الهدنة التي تستمر إلى نحو ستين يوماً.وتتزايد التساؤلات حول مستقبل حماس في ضوء تقارير إعلاميّة تتحدث عن ضعف قبضتها في الداخل، وعن خلافات بين جناحيها أيضاً في الداخل والخارج.يبدو أنّ الرئيس الأميركي أكثر تصميماً على إبرام الصفقة أكثر من أي وقت مضى، الرئيس ترامب قالها بوضوح، بديل الصفقة سيكون أسوأ.. وبينما تروج المبادرة عبر الوسطاء جاءت لهجته حازمة تجاه حماس، وحتى نتنياهو عندما قال بأنّه سيمارس أقصى الضغوط لقبولها.أمّا إسرائيل التي توعدت بتحويل معظم قطاع غزّة إلى رفح ثانية في حال تعثرت الصفقة، وأبدت انفتاحاً، لكن تحت سقف شروط واضحة تتمثل في نزع سلاح حماس وترحيل قادتها أو العودة إلى الحرب.كما أنّ إسرائيل تلوّح بالحرب؛ وفقاً لما نقلته القناة الرابعة عشرة الإسرائيليّة عن مصدر سياسي بأنّ أي صيغة تتناول إنهاء في قطاع غزّة سترفق برسالة إلى الرئيس الأميريكي تطلب فيها ضمانات أميركية باستئناف الحرب، إذا لم تلبِّ مطالبها المتعلقة بنزع سلاح حماس ونفي قادتها.الرئيس الأميركي دونالد ترامب، اعتبر الجمعة، أنه “من الجيد” أن حركة حماس قالت إنها ردّت “بإيجابية” على مقترح وقف إطلاق النار في غزّة.وقال ترامب للصحفيين على متن طائرة الرئاسة الأميركية، إنه قد يكون هناك اتفاق بشأن غزّة “خلال أيام”.ومن المتوقع أن تجمع لجنتان إسرائيليتان معلومات عن الرهائن الأحياء المتبقين في قطاع غزّة، لتحديد من يستحق الأولوية في الإفراج عنه وفق اتفاق وقف إطلاق النار الذي يناقش حالياً.وقالت القناة 12 الإسرائيليّة، إن لجنة تابعة لوزارة الصحة وأخرى للمخابرات العسكرية، ستوصيان فريق التفاوض بشأن من يجب إطلاق سراحه أولاّ من الرهائن، في حال نجحت محاولات وقف إطلاق النار.وهناك نحو 50 رهينة في غزّة الآن، من بينهم حوالي 20 على قيد الحياة، وفق تقديرات إسرائيليّة.وفي صفقة الرهائن الأخيرة التي خرقها الجيش الإسرائيلي عندما استأنف الحرب يوم 18 آذار الماضي، قدمت إسرائيل قائمة إلى حركة حماس تضم أسماء الرهائن الذين تعتبر الإفراج عنهم أولوية.التقديرات تشير إلى أنه بعد تلقي رد حماس سترسل إسرائيل وفداً إلى الوسطاء في “الدوحة والقاهرة”.وأضافت القناة 13: “ستستمر المفاوضات حول بنود مثل إطلاق سراح الأسرى مقابل الرهائن وغيرها”.وأشارت إلى “تزايد القلق بين عائلات الرهائن من أي اتفاق جزئي، قد يترك العديد من أقاربهم في الأسر”.يأتي هذا الإعلان في وقت تتكثف به المساعي الدولية والإقليميّة للتوصل إلى اتفاق ينهي القتال الدائر في القطاع، في ظل استمرار سقوط ضحايا بالعشرات يومياً وتفاقم الأوضاع الإنسانيّة في القطاع.وقبيل اللقاء الثالث الذي سيجمع الرئيس ترامب منذ عودة الحزب الجمهوري لسدة الحكم، مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض في السابع من الشهر الجاري، كتب رئيس مجموعة تمثل أكثر من 550 مسؤولاً أمنياً إسرائيلياً سابقاً، رفيعي المستوى، رسالة إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يحثه فيها على استغلال اجتماعه المقبل مع نتنياهو لإنهاء حرب غزّة.وفي الرسالة التي نقلتها صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، اعتبر رئيس منظمة “قادة من أجل أمن إسرائيل” اللواء المتقاعد ماتان فيلناي، أن “الجيش الإسرائيلي أنجز منذ فترة طويلة مهمته المزدوجة المتمثلة؛ في تفكيك حكم حماس وتدمير قدراتها العسكرية بشكل أساسي”.إرادة التوصل إلى هدنة اليوم هي أكثر من الأشهر الماضية، إذ لم تكن متوفرة في السابق، لاعتقاد كل من طرفي الصراع بأنّ الرغبة في الحسم الميداني تغلب على إمكانيّة الوصول إلى اتفاقيّة عبر المفاوضات؛ وكل طرف من طرفي الصراع كان يراهن حول إمكانيّة تحقيق انتصارات على أرض المعركة، ما يجعله يكتسب ميزات من الطرف الآخر أو من شكل التسوية الممكنة.فهل تنتهي هذهِ الحرب التي أدّت إلى استشهاد ما يزيد على 57 ألف شخصاً جرّاء الهجمات الإسرائيلية، بما في ذلك أكثر من 500 شخص سقطوا في عمليات إطلاق نار عشوائي أثناء سعيهم للحصول على الغذاء من مواقع التوزيع، التي تديرها مؤسسة غزّة الإنسانيّة المدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل؟.وهل سيستمر نزوح أهالي القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، علماً بأنّ الكثيرون منهم نزح عدّة مرات؟.وهل بقي في غزّة ما يمكن أن تحصده آلة الحرب بعد أن دمرت أكثر من 80 في المئة من آبار المياه والأراضي الزراعية التي كانت تستخدم لزراعة الحمضيات والزيتون؟!.غزّة اليوم على مفترق طرقٍ تنتظر الفرصة الأخيرة على أمل الخلاص من الحرب التي أوجعتها رغم صمودها بوجه الجيش الإسرائيلي.