عبد الهادي راجي المجالي: (حادثة انزلاق في الحمام) ـ بقلم: عبد الهادي راجي المجالي

أكثر الأمور غرابة في الأردن، هي توصيفات كسر الحوض لرجل ما أو سيدة ما.. فحين تسأل أحدهم عن سبب إصابة والده أو والدته بكسر في الحوض تكون الإجابة فورا وبتلقائية: (زحلق في الحمام) … يبدو أن استعمال الحمامات لدينا صار لقضاء الحاجة والوضوء والاستحمام والتسبب بكسر في الحوض. أمس سألت صديقا عن سبب إدخال والده إلى المستشفى، فأخبرني أنه أصيب بكسر في الحوض، وأنا تلقائيا تدخلت وقلت: (زحلق في الحمام؟) … فأجابني بنعم، والحقيقة هي أنه تعرض لحادث سير ، ولكن مع الزمن تشكل لدينا انطباع بأن كسور الحوض مرتبطة (بالزحلقة في الحمام) ..هنتنغتون كان يقول : (الإنطباع أحيانا أقوى من الحقيقة) … وقصة الزحلقة في الحمام أصبحت انطباعا لدى الناس، وبالتالي ضاعت الحقائق…أنا رهين الانطباع، فما تكون عني في إذهان الناس هو : (بشطح) وهذه الكلمة استعملت كثيرا بحقي.في الأردن يوجد ضحايا كثر لمسألة (الزحلقة في الحمام) ، بمعنى اخر يوجد ضحايا كثر لمسألة الانطباع، وغياب الحقيقة.. وحين تسأل عن أسباب التهميش والإقصاء عن أسباب عزل عقول وكفاءات، واستبدالها بمن ترهلوا وأنتجوا أطنانا من الكذب، تكتشف أن المؤسسات الرسمية كانت ضحية للإنطباع الذي تشكل عن فلان أو علان ولم تكن ..تقتفي الحقيقة .جعفر حسان هو من ضحايا (الزحلقة في الحمام) … من ضحايا الإنطباع، فما تشكل عنه أنه : ديجتال ، لا يؤمن بالهوية ، عاش في أمريكا ، ليبرالي غربي ..الخ من الأوصاف ، لكن حين تجلس مع الرجل تكتشف أنه بسيط ، غير موغل في الأناقة والماركات ، ويحفظ البلد عن ظهر قلب ، هاديء ..ويقيم وزنا للكل ، يأتي إلى مكتبه في الساعة السابعة صباحا ويغادر مع المغرب…قد يعتبر البعض هذا الأمر تقربا للرئيس أو مدحا ، أنا لا أمدح أحدا أبدا …ولكني من الذين تهشم الحوض لديهم ولم يعد بإمكاني الوقوف لكثرة ما (تزحلقت في الحمام) …أكتب لكم هذا المقال لأني اليوم فعلا : (تزحلقت في الحمام) كانت المرة الأولى التي يحدث معي هذا الأمر، وسقطت على ظهري متألما… مازال الألم يجتاح كل جوارحي.. لقد صرخت ابنتي صباحا بأعلى صوتها: (باباااااااا) …خرجت من تحت الماء مثل ذئب جريح يريد أن يفتك بالقدر والأيام، فصوتها جعل دمي مثل البارود… واكتشفت أنها خافت من (عنكبوت) صغير جدا تسلل من خارج الشباك إلى يدها.. لحظة أن سمعت الصوت واندفعت، تزحلقت في وسط الحمام كسر قلبي لحظتها، ولم يكسر عظمي…في هذا الوطن، نحن ضحايا للإنطباع الكاذب الذي شكله البعض عنا… لم يتبق في جسمي عظم لم يكسر لكثرة ما وضعوا الصابون على أرضية الحمام، وها نحن (نتزحلق)…