هجمات البوليساريو: هل تعزز خيارات المغرب للصحراء في الساحة الدولية؟ ـ بقلم: د. آمال الجبور

هجمات البوليساريو: هل تعزز خيارات المغرب للصحراء في الساحة الدولية؟ ـ بقلم: د. آمال الجبور


بعد التصعيد الأخير لجبهة البوليساريو عبر هجمات استهدفت مدينة السمارة جنوب المغرب، وعلى مقربة من ثكنة عسكرية تابعة لبعثة الأمم المتحدة إلى الصحراء “المينورسو”، تبرز مفارقة لافتة مفادها: كلما اشتدت وتيرة الهجمات، اتسعت دائرة المشروعية السياسية والدبلوماسية للمغرب في الساحة الدولية، حيث تُحوّل الرباط هذه الهجمات إلى فرص إضافية تؤكد من خلالها، وأمام العالم، صواب رؤيتها وواقعية مبادرتها للحكم الذاتي. وهذه الهجمات ليست الأولى ولن تكون الأخيرة. فمنذ اختراق جبهة البوليساريو لاتفاق وقف إطلاق النار عام 2020، والمنطقة العازلة بين الجبهة والمملكة المغربية تشهد هجمات واختراقات متكررة.لكن الصدى الذي رافق هذه الهجمات مؤخرًا كان مختلفًا، لتزامنها مع سياقات دولية وإقليمية حساسة تؤثر مباشرة على مسار ملف الصحراء المغربية، ما يعكس أزمة حقيقية تعيشها الجبهة، في ظل متغيرات جيوسياسية لم تعد تحتمل الحركات الانفصالية والمسلحة التي تفتقر إلى الانضباط السياسي والدبلوماسي، وتُسهم في زعزعة الأمن والاستقرار.في ظل هذا التصعيد، تطرح جملة من الأسئلة نفسها، بدءًا من مستقبل جبهة البوليساريو ومشروعيتها، إلى مستقبل عمل بعثة “المينورسو” الأممية، وإمكانية استمرار الدعم اللوجستي لها.غير أن السؤال الأهم يبقى: ما المكاسب التي يمكن أن تحققها الرباط على مستوى الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي من خلال هذه التطورات؟ وهل تسهم في تشكيل صورة سلبية عن الجبهة أمام الرأي العام العالمي؟بالتالي، لا يمكن قراءة هذه التطورات بمعزل عن تداعيات الحرب الإسرائيلية-الإيرانية، وما أفرزته من اصطفافات جديدة في الشرق الأوسط والعالم.صحيح أن نيران الحرب لم تصل إلى حدود المغرب، لكن ارتداداتها السياسية قد تطال قضيته الوطنية.فإيران، التي تسللت منذ عقود إلى إفريقيا، لا تتردد في تحريك جبهة البوليساريو كورقة جيوسياسية كلما دعت الحاجة، لزعزعة التوازنات الإقليمية وخلق بيئة هشة تمنحها موطء قدم في شمال إفريقيا ودول الساحل. لكن، أين المنطق في ذلك؟الهجوم الأخير للبوليساريو قد يُفهم في سياق عدة احتقانات، أبرزها ما يتعلق بموقف الرباط الرافض لاستهداف القاعدة العسكرية الأمريكية في قطر. فرغم صمت مغربي دام اثني عشر يومًا، اختارت الرباط في الساعات الأخيرة للحرب أن تعلن موقفًا صريحًا ضد انتهاك سيادة الدول، في انحياز واضح للمحور الأمريكي-الخليجي. موقف لم تستسغه طهران، وربما انعكس على سلوك البوليساريو.في المقابل، زادت حدة التوتر لدى الجبهة مع طرح مشروع قانون في الكونغرس الأمريكي لتصنيف البوليساريو كـ”منظمة إرهابية أجنبية”، بدعم ثنائي من النائب الجمهوري جو ويلسون والديمقراطي جيمي بانيتا. وهو تطور استراتيجي ينهي سنوات من التساهل الدبلوماسي والضبابية القانونية تجاه كيان لا يتصرف كحركة تحرر كما يدعي، بل كأداة ضمن أجندة قوى معادية للاستقرار الإقليمي، في إشارة مباشرة إلى إيران وفقًا لتغريدة ويلسون على منصة “إكس”.إذا صحت هذه القراءات، فإن المجتمع الدولي مقبل على مراجعة عميقة لمشروعية الجبهة وطرحها الانفصالي، خصوصًا مع ارتباطاتها العابرة للحدود بالتواجد الإيراني. فالغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، لا يرغب بمزاحمة قوى جديدة كإيران وروسيا والصين في القارة الإفريقية، ويفضل الاعتماد على شريك تاريخي وموثوق مثل المغرب. ما يرجّح كفة مبادرة الحكم الذاتي ويقرّب من إغلاق ملف الصحراء نهائيًا.ولا تقف المتغيرات عند هذا الحد، فهناك أيضًا تحركات ناعمة نحو ترتيبات جديدة في المنطقة قد تُفضي إلى تسوية الخلاف الجزائري-المغربي، ما يصب في صالح التحالفات الغربية ويعزز الهيمنة التقليدية للغرب على إفريقيا، وخاصة منطقة شمال إفريقيا والساحل.لكن، وبما أنه لا يمكن الجزم بنوايا جميع الأطراف في هذه المرحلة، فإن على المغرب، وهو يخوض معركة الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء، أن يظل في حالة يقظة تامة. إذ يتعين عليه تفعيل أدواته الدبلوماسية، وتعزيز حضوره القانوني داخل المؤسسات الدولية، للتأكيد أن اللااستقرار يبدأ حين تُمنح الشرعية لقوى السلاح بدلًا من مشاريع الحلول السياسية.وفي النهاية، تبقى رسالة الرباط للعالم واضحة: صوت السياسة ابلغ من دوي المدافع.