إنقاذ إربد – بقلم: محمود خطاطبة

معلوم بأن المُحافظة على تاريخ المُدن، هي ضرورة أوجبتها دورة الحياة الطبيعية، والتمسك بالتراث والتاريخ يؤشر إلى قيمة المُدن، ناهيك عن أنه باب من أبواب الانتماء، فعندما يكون عند الشخص مُنتميًا لأُسرته ومدرسته والحي الذي يقطنه، وكذلك المدينة التي يعيش فيها، فإن ذلك يقود بالنهاية إلى الانتماء إلى الوطن، فالحي أو المدينة هو جزء أصيل وأساسي من الوطن ككُل.كمواطن أردني، ولدت في مدينة إربد، وبالتحديد بالقُرب من بيت «عرار»، منذ أكثر من نصف قرن، ونشأت وترعرت بها، واكبت على مدار هذه المُدة قضايا المدينة، فإنني كغيري من المواطنين عندما أتجول في شوارعها وبين أزقتها، فإنني أُجزم بأن هذه المدينة، تتعرض إلى إهمال واضح كالشمس، بغض النظر عما إذا كان مُتعمدًا أم غير ذلك.وأكاد أُجزم أيضًا، بأن هوية مدينة إربد المحلية والتاريخية، باتت على مهب الريح، وكأن هُناك أيادي تتعمد عدم صون هذه الهوية، أو تغيير ملامحها، وكأن هُناك أُناسا يتعمدون تغيير ذاكرتها، لا بل وبمعنى أدق مسحها، رويدًا رويدًا، عن قصد وسبق إصرار وترصد.لا مُبالغة في هذه الكلمات أبدًا، وإلا فليُجب المُعترض على ذلك، لماذا يتم هدم المباني القديمة في هذه المدينة العريقة، الضاربة جذورها في عمق التاريخ؟.. نعم هُناك عمليات شبه مُنظمة لهدم المباني، والجميع يُشاهد ذلك.فمثلًا هُناك بيت يقع خلف المسجد الهاشمي، تم تشييده في العام 1910، أي قبل نحو قرن و15 عامًا، بدأت العُدة لهدمة، وإزالته، وبالتالي محو معلم جديد لإربد.. ويا ليت الأمر يقف عند هذا، فقبل ذلك تم هدم العديد من البيوت من هذا النوع، والتي أستطيع أن أقول بأنها تُراثية أو تاريخية، أو على الأقل تدل على قدم إربد.ويبدو أن الأمر سيبقى مُستمرًا، في حال لم يلق القائمون على هذا الموضوع، موقفًا حادًا أو اعتراضا من أحد، علمًا بأن هُناك قوانين تمنع هدم البيوت القديمة أو التُراثية أو التاريخية، أيًا كان المُسمى.. فليس صُدفة أبدًا أن يتم وضع «مُجمع» لباصات نقل ركاب، مُلاصقًا لبيت «النابلسي»، أقدم بيوت إربد قاطبة!.صحيح أن تاريخ مدينة إربد، لن يُمحى عندما يتم هدم بيوتها القديمة (التُراثية أو التاريخية)، لكن الأصل والأصوب أن تتم المُحافظة عليها، وترميمها وإعادة تأهيلها، كما هو معمول بالعديد من مُدن المملكة.لماذا الإصرار على عدم إنقاذ إربد، أو لنقل تراثها وتاريخها، فمثل تلك البيوت تؤشر إلى أن هذه المدينة لها مكانتها، وتدل على أنها ذاتتاريخ عريق، لن يستطيع أحد طمسه أو محوه.. إلا أنه ومن باب الانتماء للوطن، تتوجب المُحافظة على تاريخ المُدن الأردنية كافة، فمعلوم أن ما يستقر بذاكرة الأجداد لن يُمحى، فهؤلاء ينقلونه إلى الآباء، الذين بدورهم يغرسونه في الأبناء.ستبقى مدينة إربد، مليئة بالتاريخ والتُراث، وفيها ما فيها من معالم، وسجلت أحداثًا وطنية مؤثرة ومفاصل تاريخية، وقدمت العديد من من المُبادرات الوطنية، ودفعت بالكثير من الشهداء وحُماة الأوطان.. لكن إنقاذها، باتب واجبًا، لكي نُبقي على ما بقي من بيوت عتيقة، لها في الأنفس محبة، وتدل على جذور، أصلها ثابت في الأرض.