المواجهة تكتب: عندما يصبح المتهم ضحية – بقلم: ليندا المواجدة

كلما سمعنا عن جريمة أو حادثة انحراف تتوجه الأنظار سريعًا إلى الفعل والمجرم وتتعالى الأصوات بضرورة الردع والعقوبة والحسم الأمني وهو مطلب طبيعي لحماية المجتمع وسيادة القانون فلا مجتمع سليم يقبل أن يُترك الانفلات بلا مواجهة ، لكن خلف كل قصة انحراف هناك حكاية إنسانية أعمق ، هناك شاب نشأ في فراغ خانق بلا فرصة عمل بلا مساحة آمنة بلا أمل شاب تآكله الفقر يومًا بعد يوم وتآكلت معه قيمه وثقته بنفسه حتى صار مستعدًا لأن يمد يده لأي طريق ولو كان طريق الانحراف . نحن نواجه ظاهرة ليست مجرد جريمة بل مأساة اجتماعية تتكرر كل يوم مأساة تقول لنا بوضوح إن هؤلاء في الأصل ضحايا !! نعم ضحايا الفقر، ضحايا البطالة، ضحايا بيئة قاسية لم توفر لهم مساحة حياة كريمة، ضحايا غياب التنمية التي تزرع في قلوبهم الثقة بالمستقبل. الأمن وحده لا يكفي مهما بلغت قوته فالأمن لا يحزأ إذا أردنا حماية المجتمع بحق علينا أن نعالج الجذور أن نخلق فرص عمل حقيقية أن نوفر مشاريع تنموية أن نعيد بناء الثقة في القرى والأحياء والمدن وأن نمنح شبابنا مساحات رياضية وثقافية ونفسية تليق بأحلامهم وبهذا الواقع والتطور الذي نعيشه .هؤلاء الجناة قبل أن يصبحوا كذلك كانوا أطفالًا يحملون أحلامًا بسيطة لعب، تعليم، حياة طبيعية لكن حين لم يجدوا ذلك، تحولوا مع الزمن إلى ما نراه اليوم وما نسمعه وما نشاهده وهنا تصبح المسؤولية جماعية، لا تخص الأمن وحده، بل تخص المجتمع كله ومؤسساته، تخص صناع القرار، تخص الأسر أيضًا بالطريق الذي تم السير عليه قبل ان نصل إلى ما حصّلناهالإنسان حين يفقد الأمل يفقد ضميره ، وحين يفقد ضميره لا تعود القوانين وحدها قادرة على ضبطه.لهذا فإن أي خطة شاملة يجب أن تجمع بين الأمن من جهة، والتنمية من جهة أخرى، كي نحمي شبابنا قبل أن نضطر لملاحقتهم، وكي لا نضطر أن نكتشف بعد فوات الأوان أن الجاني كان ضحية.لأن كل منحرف في جوهره ضحية لغياب العدل الاجتماعي ضحية للحرمان ضحية لعالم لم يمنحه أبسط حقه في الأمان والحلم .وهذا ما يجب أن نتذكره دائمًا ان لا نسلط الضوء على الجريمة فقط بل عن الطريق التي أوصلتهم إلى هنا، عن العتمة، عن الحرمان، عن القسوة التي عانوها وهم يبحثون في بيئة مهمشة الأحياء العشوائية أو الفقيرة ، البيئة بتلعب دور كبير في حياتنا البيئة مش مجرد شارع وحي هي المكان الي بيصنع هوية الإنسان وسلوكه ، هناك مأسي إجتماعيه لا تحتمل التأجيل . لأن أصعب سجن يعيشه الإنسان هو السجن الداخلي، سجن الأفكار السوداء، اليأس، الخوف، القهر، أو الشعور بالعجز ، هذا السجن ما إله جدران حقيقية ولا أبواب حديدية .