النعيمات يعبّر: فقدان الأرواح وحكومة ثابتة ـ بقلم: أ.د. أسامة أحمد النعيمات

النعيمات يعبّر: فقدان الأرواح وحكومة ثابتة ـ بقلم: أ.د. أسامة أحمد النعيمات


مرة تلو الأخرى، يجد المواطن الأردني نفسه أمام مأساة جديدة تهز الضمير الوطني وتطرح ذات السؤال: أين الحكومة؟ وأين المسؤولية السياسية والأخلاقية تجاه أرواح المواطنين؟ فمن حادثة البحر الميت التي غرق فيها طلبة أبرياء، إلى كارثة مستشفى السلط التي راح ضحيتها مرضى كانوا بأمسّ الحاجة للأكسجين، وصولاً إلى كارثة تصنيع الخمور المغشوشة التي أودت بحياة أبرياء وأصابت آخرين، يبدو المشهد واحدًا: حوادث مفجعة، بيانات رسمية معتادة، وغياب واضح لمفهوم الاستقالة الجماعية أو تحمل الحكومة ككل لمسؤوليتها السياسية. كوارث تتكرر… ولا محاسبة بحجم المأساة في أكتوبر 2018، عاشت المملكة واحدة من أكثر مآسيها إيلامًا حين جرفت السيول حافلة مدرسية في منطقة البحر الميت، وراح ضحيتها عشرات الطلبة والمواطنين. كشفت الحادثة عن ثغرات صارخة في منظومة التحذير المبكر، وسوء التنسيق بين الجهات المعنية. ورغم بشاعة الكارثة، لم نشهد سوى استقالة وزيرين، بينما ظل رأس الحكومة في موقعه، وكأن الأرواح التي أُزهقت لا تكفي لاعتبار الحدث فشلًا حكوميًا عامًا.تكررت المأساة في مارس 2021 مع كارثة مستشفى السلط، حين تسبب انقطاع الأكسجين في وفاة عدد من المرضى، لتنفجر موجة غضب شعبي عارمة. وللمرة الثانية، اقتصرت الإجراءات على إقالات محدودة ومحاكمات جزئية، دون أي تحرك على مستوى الحكومة ككل، أو إعلان تحمّلها السياسي لمسؤولية الإخفاق.واليوم، تتصدر العناوين حادثة تصنيع الخمور المغشوشة التي خلفت ضحايا جدداً، جراء تقصير في الرقابة وغياب صارخ لدور الدولة في حماية المجتمع من تجار الموت. استقالة الحكومة: مطلب أم ضرورة وطنية؟ في دول تحترم شعوبها، تكون استقالة الحكومة أو رئيسها أمام مثل هذه الكوارث أمرًا بديهيًا، احترامًا للضحايا وكرامة المواطنين، واعترافًا بالفشل في إدارة الأزمات. أما في حالتنا، فتبدو الحكومة في كل مرة وكأنها تنتظر أن تمر العاصفة دون أن تقدم على أي خطوة تعيد الثقة بين الدولة والمواطن.إن استقالة الحكومة ليست مجرد رد فعل عاطفي، بل ضرورة وطنية لتأكيد مبدأ المحاسبة، ولبدء مرحلة جديدة تعيد الاعتبار لمفهوم المسؤولية السياسية.إن تكرار الكوارث دون تغيير حقيقي في النهج يعني أن الخلل بات عميقًا في منظومة الإدارة العامة. ولعل أقل ما يمكن أن تفعله الحكومة اليوم، أمام الحوادث المتكررة وفقدان أرواح الأبرياء، هو تقديم استقالتها احترامًا للشعب، وتعبيرًا عن التزامها بقيم المسؤولية والمحاسبة.والله من وراء القصد….