هل يُسمح بإدخال المريض في غيبوبة طبية لتخفيف الألم عليه؟

هل يُسمح بإدخال المريض في غيبوبة طبية لتخفيف الألم عليه؟


مدار الساعة – السؤال: مريضة في آخر مراحل مرض السرطان، وتتألم بشدة، فالطبيب المعالج يقترح عليها أن يدخلها فيما يسمى بغيبوبة طبية، وأن تظل كذلك طول ما تبقى من حياتها، لأن جسمها لم يعد يتحمل الألم الذي تمر به، فما حكم الشرع في هذا الإجراء الطبي، علما بأنها تتابع علاجها ببلد أوروبي؟ الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: أولا:العقل مناط التكليف، والأصل تحريم تناول ما يزيله ويغيّبه، ولذلك حرم الله المسكر.ويحرم كذلك سائر المغيبات وإن لم تسكر، باتفاق الفقهاء.قال الشيخ محمد علاء الدين الحصكفي الحنفي رحمه الله: “ويحرم أكل البنج والحشيشة والأفيون؛ لأنه مفسد للعقل، ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة” انتهى من “الدر المختار” (1/ 412).وقال عليش المالكي رحمه الله: ” المرقد وهو ما يغيب العقل والحواس ومنه البنج والداتورة، فطاهران داخلان في المستثنى منه، واستعمال قليلهما الذي لا يغيب العقل جائز، وكثيرهما الذي يغيبه محرم” انتهى من “منح الجليل” (1/ 26).وقال النووي رحمه الله: “ما يزيل العقل من غير الأشربة كالبنج حرام” انتهى من “روضة الطالبين” (10/ 171).وقال ابن قدامة رحمه الله: ” فأما إن شرب البنج ونحوه مما يزيل عقله، عالما به، متلاعبا، فحكمه حكم السكران في طلاقه. وبهذا قال أصحاب الشافعي، وقال أصحاب أبي حنيفة: لا يقع طلاقه؛ لأنه لا يلتذ بشربها. ولنا، أنه زال عقله بمعصية، فأشبه السكران” انتهى من “المغني” (7/ 378).وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ” وكل ما يغيب العقل فإنه حرام وإن لم تحصل به نشوة ولا طرب، فإن تغييب العقل حرام بإجماع المسلمين .وأما تعاطي البنج الذي لم يسكر، ولم يغيب العقل ففيه التعزير” انتهى من “الفتاوى الكبرى” (3/ 423).فبان بهذا: أن الأصل تحريم تناول ما يزيل العقل، ويمنع التكليف.ثانيا:يجوز تناول البنج والمخدر للضرورة والحاجة، كإجراء العمليات الجراحية التي لا يمكن إجراؤها إلا مع التخدير، أو يلحق المريض فيها مشقة شديدة إن فعلت بغير تخدير.قال ابن عابدين رحمه الله: “قدمنا في الحظر والإباحة عن التاترخانية: أنه لا بأس بشرب ما يذهب بالعقل لقطع نَحْو أكْلَةٍ.أقول: ينبغي تقييده بغير الخمر، وظاهره أنه لا يتقيد، بنحو بنج من غير المائع، وقيده به الشافعية” انتهى من “حاشية ابن عابدين” (6/ 461).وقال ابن فرحون رحمه الله: ” وَالظَّاهِرُ جَوَازُ مَا سُقِيَ مِنْ الْمُرَقِّدِ لِقَطْعِ عُضْوٍ وَنَحْوِهِ، لِأَنَّ ضَرَرَ الْمُرَقِّدِ مَأْمُونٌ، وَضَرَرَ الْعُضْوِ غَيْرُ مَأْمُونٍ” انتهى من “تبصرة الحكام” (2/ 247).وقال النووي رحمه الله: ” ما يزيل العقل، من غير الأشربة، كالبنج: حرام، لكن لا حد في تناوله. ولو احتيج في قطع اليد المتآكلة إلى زوال عقله، هل يجوز ذلك؟يُخرَّج على الخلاف في التداوي بالخمر.قلت: الأصح: الجواز، وقد سبق في مسائل طلاق السكران، ومن زال عقله: ما يقتضي الجزم به.ولو احتاج إلى دواء يزيل العقل، لغرض صحيح: جاز تناوله قطعا، كما سبق هناك. والله أعلم” انتهى من “روضة الطالبين” (10/ 171).وقال المرداوي رحمه الله: ” قال في الجامع الكبير: إن زال عقله بالبنج: نظرتَ؛ فإن تداوى به: فهو معذور. ويكون الحكم فيه كالمجنون.وإن تناول ما يزيل عقله لغير حاجة: كان حكمه كالسكران.والتداوي: حاجة. انتهى” انتهى من “الإنصاف” (8/ 438).ثالثا:أما تغييب العقل على الدوام: فهو محرم؛ عملا بالأصل، لأنه يمنع المكلف من ذكر الله، ومن الصلاة، ولا يدخل فيما استثناه الفقهاء من التغييب المؤقت لإجراء جراحة.والعبد أحوج ما يكون إلى عبادة ربه حال المرض، وقرب الأجل، فلا يجوز تعطيله عن ذلك.والبديل المباح استعمال ما يسكن الألم، ويخففه، دون أن يزيل العقل بالكلية، على وجه الدوام.ونسأل الله لها الشفاء والعافية.والله أعلم. المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب