الإستراتيجيات الاقتصادية الحديثة للحكومة ـ بقلم: د. رعد محمود التل

لا يغيب عن ذهن أي اقتصادي أن الضريبة هي المصدر الاساسي للإيرادات الحكومية والتي تشكل ما يقارب 70% من الايردات العامة للحكومة وحوالي 75% من الايرادات المحلية للعام الحالي، كما انه من المفترض لا يغيب عن بال أي اقتصادي أن “الضريبه تعيق النفقه” بالتالي الزيادة الضريبية لأي قطاع هو معيق أساسي للنشاط الاقتصادي في كثير من الأحيان ووزيادة نسبتها عن “الحد الأمثل” سيقلل من عوائدها. في هذه الحالة، تبدأ الإيرادات في الانخفاض لا الارتفاع، وتُصاب السوق بحالة من الانكماش والجمود كما هو معروف! بناء على هذا الفهم، تتبنى الحكومة برئاسة الدكتور جعفر حسان رؤية اقتصادية متزنة، تتجاوز المنهج “المحاسبي التقليدي” الذي يركز فقط على تقليص العجز المالي، وتُفضّل بدلاً منه نهجًا تنمويًا قائمًا على تحفيز النمو وزيادة الثقة بقطاع الأعمال، باعتبار أن النمو هو الطريق الطبيعي والمستدام لتحسين الإيرادات الحكومية. لذلك وفي سعيها تطبيق برامج التصحيح الاقتصادي القادمة من صندوق النقد الدولي، وضمن محددات الاقتصاد الاردني من عجز في الموازنة العامة والدين العام وأرقام النمو والبطالة من ناحية، وبهدف تحقيق دفعة وتسريع حركة السوق من ناحية أخرى، تسعى الحكومة أن تخط لها مساراً اقتصادياً متوازناً ومدروس بين كل تلك التحديات والضوابط تعبرعنها مرة اخرى بقرارات ذات بعد اقتصادي مهم!آخر تلك القرارت كانت التعديلات على ضرائب المركبات والتي شكلت نقطة تحول بارزة في النهج الاقتصادي الجديد، إذ أقرّت الحكومة نظامًا معدلاً للضريبة الخاصة على المركبات، ضمن حزمة إصلاح هيكلي وشامل لمعالجة التشوهات التي أثقلت كاهل المواطنين وأضعفت السوق. وقد شمل التعديل تخفيض إجمالي الضرائب (العامة والخاصة) على المركبات بنسبة ملحوظة، بحيث لا يخفف فقط العبء المالي عن المواطنين، بل يسهم في تنشيط سوق المركبات وتوسيع الخيارات المتاحة أمام المستهلكين، ويعالج في الوقت نفسه الاختلالات الهيكلية في قطاع السيارات.لكن المتابع للشأن الاقتصادي يلاحظ أن قرار تخفيض ضريبة المركبات جاء ضمن حزمة متكاملة من السياسات الحكومية التي تتبنى توجهًا واضحًا نحو تحفيز النمو. ففي قطاع الإسكان، أقرت الحكومة إعفاء الشقق التي تزيد مساحتها على 150 مترًا من 50% من رسوم التسجيل، بالإضافة إلى الإعفاء الكامل للشقق دون 150 مترًا، وهو ما ينعكس إيجابًا على القطاع العقاري ويحرّك أكثر من 40 قطاعًا مرتبطًا به.بالتوازي، استمرت الحكومة في دعم القطاع الزراعي من خلال إعفاء صادرات السلع الزراعية والبستانية بنسبة 75% من الرسوم، ما يعزز من تنافسية هذا القطاع الحيوي الذي يشغّل شريحة واسعة من العمالة الوطنية. كما مُنحت حوافز إضافية للمشاريع الصناعية في المدن التنموية، دعمًا للاستثمار في المحافظات وتعزيزًا للتنمية اللامركزية. وتم تعديل الجدول الضريبي لقانون البيئة الاستثمارية، ليخضع عدد من مدخلات الإنتاج والمستلزمات الصناعية والطبية والبحثية لضريبة الصفر، ما يخفف كلف التشغيل ويرفع التنافسية.على المستوى المالي، اتبعت الحكومة نهجًا تصحيحيًا في العلاقة بين المكلفين والدوائر الضريبية والجمركية، من خلال تسويات تساعد في تحصيل المتأخرات وتمكين الشركات من تصويب أوضاعها، بما يدعم بيئة الأعمال ويحفز النشاط الاقتصادي.أما البُعد الاجتماعي، فقد حظي باهتمام واضح، من خلال إعفاء المكلفين من غرامات مديرية الأموال العامة حتى نهاية 2024، وإعفاء المركبات المنتهي ترخيصها من الرسوم الإضافية. كما رفعت الحكومة مخصصات صندوق المعونة الوطنية وشبكة الحماية الاجتماعية، وزادت مخصصات دعم الطالب الجامعي بنسبة 50%، لتصل إلى 30 مليون دينار، ما يسهم في تخفيف العبء عن الأسر.وفي إطار توسيع قاعدة النشاط الاقتصادي، أقرت الحكومة إعفاء أرباح صادرات السلع والخدمات من ضريبة الدخل حتى عام 2033، ما يعزز تنافسية الأردن في الأسواق الخارجية. كما أقرت الأسباب الموجبة لتعديل قانون التعاون تمهيدًا لإنشاء “صندوق التنمية التعاوني” كأداة لتمويل الجمعيات التعاونية وتعزيز دورها الاقتصادي والاجتماعي.في المحصلة، يمكن القول إن السياسة الاقتصادية الجديدة للحكومة تقوم على تحفيز الاقتصاد من الداخل، وتحقيق التوازن بين متطلبات الإصلاح المالي وضمان النمو المستدام. فهي سياسة لا تكتفي بتقليل العجز، بل تعمل على توسيع القاعدة الاقتصادية وتحفيز الاستثمار، وتخفيف الأعباء عن المواطنين، وتوسيع مظلة العدالة الاجتماعية. وهو توجه يحمل مؤشرات مبشرة إذا ما استمر بنفس النهج المتوازن والمتدرج، المرتبط برؤية التحديث الاقتصادي.لم تنتهج الحكومة أسلوباً محاسبياً في التعامل مع القضايا الاقتصادية يرتكز الى تقليل العجز دون تعزيز النمو الاقتصادي، بل بالعكس تماماً تدير الحكومة المشهد بسياسات جديدة ترتكز على عقلية إقتصادية تؤمن بان زيادة النمو الاقتصادي وتحفيزه هو الاساس في زيادة الايرادات لا برفع الرسوم والضرائب، وإعادة الثقة لقطاع الاعمال لا بمزاحمتها! في محالوة تعكس فلسفة واضحة “تحفيز النمو لا جباية الإيرادات”!