القبة الذهبية! ـ من تأليف أحمد ذيبان

القبة الذهبية! ـ من تأليف أحمد ذيبان


لو نثرت الدول قيمة ما تنفقه من ميزانيات على التسلح التي تغري باشعال الحروب، لملأت الكرة الأرضية بالدولارات والعملات المختلفة، لكن ذلك لا يخطر في بال أصحاب القرار، الذين تحركهم قوة شريرة.وفي هذا الصدد أعلن الرئيس الاميركي دونالد ترامب، في 25 مايو أيار الماضي عن ما سمي ب”القبة الذهبية”، وهي منظومة درع صاروخية أرضية وفضائية أميركية، وصفها ب”نقلة نوعية” في مجال الدفاع الصاروخي، لمواجهة تهديدات الصواريخ المتطورة مثل الفرط صوتية والصواريخ الروسية والصينية، وهي قادرة على اعتراض الصواريخ “حتى لو أطلقت من الجانب الآخر من العالم أو من الفضاء!وتدمج القبة بين أنظمة متطورة أرضية وبحرية وفضائية، وتعتمد على أقمار صناعية مزودة بمستشعرات وتقنيات حديثة لاكتشاف التهديدات، وأثار البرنامج انتقادات دولية خاصة من الصين وروسيا، بسبب تخوفهما من “عسكرة الفضاء وزعزعة الأمن العالمي”.وبالاضافة الى ذلك أعلن ترامب أنه سيعمل على زيادة موازنة وزارة الدفاع، الى مستوى قياسي غير مسبوق يصل الى تريليون “ألف مليار” دولار، وهي أكبر ميزانية عسكرية في تاريخ أميركا والعالم! وتزيد على موازنة الدفاع التي وقعها سلفه بايدن للسنة المالية 2025، بقيمة اجمالية تبلغ 895 مليار دولار.ولا غرابة في ذلك حيث توجد 800 قاعدة عسكرية أمريكية، في أكثر من 70 منطقة حول العالم، وأكثر من 150 دولة في القارات كافة، وتتنوع بين قوات برية وبحرية وجوية، وهذه تحتاج الى نفقات ضخمة، ولأن ترامب يفكر بعقلية تجارية ربما يلزم بعض الدول الغنية، التي تتواجد فيها قواعد أميركية على تحمل نفقات تلك القواعد!.موازنة الدفاع لدول حلف شمال الأطلسي، التي تتكون من الدول الأوروبية وتركيا وكندا تبلغ حاليا 892 مليار دولا، بالاضافة الى موازنة أميركا الهائلة، وكان الرئيس ترامب يصر على ضرورة امتثال دول الحلف، لطلبه بزيادة انفاقها العسكري الى 5 بالمئة، ولأن ترامب يعرف “من أين تؤكل الكتف”، فهو يدرك تماما أن دول الحلف، تعتمد على الولايات المتحدة الأميركية في الحروب الاستراتيجية!.وبالفعل رضخت دول الحلف البالغ عددها 32 دولة، في القمة التي عقدت قبل أيام في هولندا، وأكدت التزامها بزيادة كبيرة في الإنفاق الدفاعي، من خلال تخصيص 5% من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً بحلول عام 2035، لتلبية متطلبات الدفاع الأساسية واحتياجات الأمن الأوسع، وهي تبلغ حاليا 892 مليار دولار.ولعل أقرب مثال على عقلية ترامب في ابرام الصفقات، تداعيات المشادة الكلامية التي وقعت بينه وبين الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي، في شهر فبراير – شباط الماضي، حيث مارس ترامب عملية ابتزاز سياسي غير مسبوقة، على زيلينسكي وحمله جزءا كبيرا من مسؤولية الحرب مع روسيا، رغم أن موسكو هي التي بدأت غزو أوكرانيا، وزاد على ذلك بقوله أن ادارة سلفه بايدن زودت أوكرانيا بأسلحة، تقدر قيمتها بمئات المليارات من الدولارات، ولا بد أن تسدد أوكرانيا هذه المبالغ، من خلال التوقيع مع أميركا على صفقة المعادن النفيسة، وفعلا رضخ زيلينسكي مكرها لطلب ترامب!ويمنح الاتفاق الولايات المتحدة الأمريكية امتيازًا تفضيليًا، في الحصول على تراخيص جديدة للمعادن والموارد الطبيعية الأوكرانية بقيمة 500 مليار دولار، وفي المقابل ستقدم الولايات المتحدة الدعم المالي والعسكري لأوكرانيا، لمساعدتها على إعادة بناء البلاد بعد الحرب.ماذا لو أنفق جزء من هذه الأموال الطائلة التي تنفق على التسلح، على التنمية وتحسين مستوى حياة البشر، وتقليل نسبة الفقر والبطالة بدرجة كبيرة، ومكافحة الأمراض الخطيرة؟ لكن ذلك لا يتفق مع نزعة الشر والغطرسة، التي تسود في العالم وخاصة الدول الكبرى، التي تهيمن على مقدرات الدول الصغيرة!.ان هذه المعطيات تبشر باطلاق سباق تسلح جديد، يعيد الى الأذهان شبح الحرب الباردة التي كانت تقسم العالم الى معسكريين رئيسيين، أحدهما تقوده الولايات المتحدة الأميركية ومن خلفها دول حلف شمال الأطلسي، والثاني يقوده الاتحاد السوفييتي قبل أن ينهار عام 1991، ومن خلفه دول حلف وارسو، التي كانت تتكون مما كان يعرف ب”المنظومة الاشتراكية”.