الخوالدة يكتب: السيارات منخفضة التكلفة… وسيلة لتعزيز النمو وتقليص العجز التجاري ـ بقلم: د. زيد احسان الخوالدة

الخوالدة يكتب: السيارات منخفضة التكلفة… وسيلة لتعزيز النمو وتقليص العجز التجاري ـ بقلم: د. زيد احسان الخوالدة


في محطات التحوّل الكبرى، تحتاج الدول إلى قرارات شجاعة، قائمة على قراءة متأنية للواقع، لا تندفع وراء موجات الاستيراد العشوائي ولا تنساق خلف وعود التكنولوجيا القادمة قبل اكتمال بنيتها التحتية. والمستهلك الأردني… ذاك الأب الذي يكدح من أجل أسرته… وذلك الشاب الحالم ببداية حياة مستقرة… وتلك الأم التي تنتظر وسيلة نقل آمنة لأطفالها… جميعهم اليوم يعيشون في دائرة قلق متزايد أمام تضخم أسعار السيارات، وغياب الخيارات المتوازنة.ونحن هنا لا نقف في مواجهة التوجه العالمي نحو السيارات الكهربائية… بل نؤكد بوضوح أن هذا المقترح ليس بديلاً عن التحول الكهربائي، وإنما هو مكمل واقعي مؤقت، حتى تكتمل البنية التحتية الوطنية لهذه التكنولوجيا التي ما زالت في مراحلها الأولى.لقد آن الأوان لإعادة النظر الجذرية في سياسات استيراد وتجميع سيارات الركوب الصغيرة، سواء بمحركات البنزين أو الديزل الاقتصادية (1000 – 1600 سي سي)، بمواصفات تليق بالمستهلك الأردني وتتناسب مع طبيعة طرق المملكة الجغرافية.إن الاستمرار في الاعتماد على استيراد سيارات مستعمله منخفضة القيمة السوقية، معززة بتسهيلات تمويلية بنكية مغرية ظاهريًا، جعل العديد من الأسر الأردنية تدفع ثمنًا باهظًا… قروض تمتد لسنوات مقابل سيارات تفقد أكثر من نصف قيمتها في غضون فترة قصيرة… وهنا لا بد من الإشارة بوضوح إلى ظاهرة انتشار السيارات ليست الصينية فقط بل وغيرها في السوق المحلي، والتي رغم انخفاض سعرها الابتدائي، إلا أن انخفاض قيمتها السوقية اللاحق بات مصدر قلق حقيقي، خصوصًا لمن لجأ إلى تمويلها عن طريق البنوك.وفي هذا السياق، يصبح طرح خيار سيارات البنزين أو الديزل الاقتصادية ، سواء عبر الاستيراد المباشر أو من خلال تجميعها محليًا داخل الأردن، ضرورة اقتصادية ملحة. فحين تتوفر السيارة بسعر منطقي، وتتمتع باقتصادية في الاستهلاك وكفاءة في الأداء، فإن حتى من يختار التمويل البنكي سيجد نفسه في مأمن نسبي من الخسائر المالية الكبيرة.ولعل التجربة الهندية مثال صارخ أمامنا… ذلك الاقتصاد الضخم الذي بنى جزءًا كبيرًا من قوته الصناعية على مثل هذه الصناعات المتوسطة، التي تخدم الطبقات المتوسطة والفقيرة، وتلبي احتياجات قطاع النقل المحلي والخارجي… ويكفي أن نتذكر أن الأردن ومعه أسواق الخليج، من أكبر المستوردين للمنتجات الهندية في هذا القطاع… فلماذا لا نحول هذا الاعتماد إلى فرصة إنتاج…؟ ولماذا لا يكون للأردن نصيب من هذه الدائرة الاقتصادية المتحركة…؟وإضافة إلى ذلك، لا بد للأردن من بناء تكامل صناعي متين مع دول الجوار، لنكون جزءًا فاعلًا في شبكات الإنتاج والتصدير الإقليمية، بما يعزز من قوة الاقتصاد الوطني ويزيد من فرص العمل والاستثمار.إن فرص الاستثمار في تجميع السيارات محليًا، بمواصفات أوروبية وكورية وعالمية، متاحة وقابلة للتحقيق… ويمكن للأردن، بموقعه الاستراتيجي، أن يكون منصة تصدير لدول الجوار: العراق، فلسطين، سوريا، لبنان… مع دعم قطاع السياحة وتأجير السيارات، الذي هو بأمس الحاجة لخيارات اقتصادية ذات كفاءة وجودة.نحن لا نتحدث عن رفاهية… بل عن ضرورة اقتصادية… وعن حق مشروع للمستهلك… وعن أفق تنموي قد يُعيد التوازن إلى سوق السيارات المحلي.وفي نهاية المطاف… المستهلك أمانة… والاقتصاد مسؤولية… والسياسة الصناعية تحتاج إلى شجاعة في اتخاذ القرار… ورؤية بعيدة عن العبثية والتجريب غير المدروس.