بني طه تكتب: باتجاه شراكة موثوقة: كيفية تأسيس علاقة ترتكز على الفهم وتتطور بالمودة – تأليف: د. عبير بني طه

بني طه تكتب: باتجاه شراكة موثوقة: كيفية تأسيس علاقة ترتكز على الفهم وتتطور بالمودة – تأليف: د. عبير بني طه


مقدمةالزواج ليس نهاية المطاف في قصة الحب، بل هو بدايتها الحقيقية. هو انتقال من مرحلة الانبهار إلى مرحلة الاختبار، ومن الانجذاب العاطفي إلى الشراكة الفعلية.إنه مشروع حياة، يحتاج إلى التخطيط كما يحتاج القلب، ويتطلب الوعي بقدر ما يتطلب الحُب.فحين يُبنى الزواج على الفهم العميق، والتفاهم الناضج، والمودة المستمرة، يصبح بيتًا يسكنه الأمان، لا مجرد سقف يأوي جسدين.أولًا: الفهم المشترك للحقوق والواجباتالوعي بالحقوق والواجبات ليس ترفًا، بل ضرورة. لا يمكن لزواج أن ينجو دون أن يعرف كل طرف ما عليه وما له.▪️ الحقوق ليست مطالِب تُلقى على الطاولة، بل مسؤوليات تُمارَس باحترام.▪️ الواجبات ليست أعباء ثقيلة، بل هي تعبير عن المحبة والوفاء.حين يشعر كل شريك أن الآخر يُقدّر دوره، يُصبح الالتزام خفيفًا، والواجبات أفعالَ محبة لا فرضًا ثقيلًا.ثانيًا: المصارحة قبل المشاركةمن الخطأ أن نؤجل المصارحة إلى ما بعد الزواج. فترة الخطوبة هي الوقت المثالي للحديث بصراحة عن:التجارب السابقة وأثرهاالرؤية الشخصية للحياة الزوجيةالصحة النفسية والجسدية (بما يشمل الإفصاح عن مشكلات مزمنة أو حاجات خاصة)التوقعات الواقعية من الطرف الآخرالمصارحة لا تُضعف العلاقة، بل تجعلها تقف على أرض صلبة لا تهزّها المفاجآت.ثالثًا: الانسجام القيمي… قبل الانسجام العاطفيالانسجام لا يعني فقط التفاهم العاطفي، بل التوافق في المبادئ والقيم والتوجهات.فما نؤمن به يُشكّل قراراتنا، ويرسم ملامح تعاملنا في المواقف الصعبة.▪️ هل تتفقان في رؤية تربية الأبناء؟▪️ هل تحترمان حدود التدخل الأسري؟▪️ هل تنظران إلى المال كوسيلة أم غاية؟كلما اقتربتما في هذه المحاور، اقتربت أرواحكما أكثر.رابعًا: الذكاء العاطفي… في مواجهة التحدياتالذكاء العاطفي ليس أن نُخفي مشاعرنا، بل أن نُعبّر عنها بطريقة لا تؤذي، ونفهم مشاعر الطرف الآخر دون أحكام.▪️ من يجيد الاستماع يُخفف نصف الخلاف▪️ومن يُحسن الظن يطفئ كثيرًا من نيران الشك▪️ ومن يعتذر بصدق يكسر جدار الجفاف العاطفيالخلافات لا تُهدد العلاقة إن وُجدت أدوات ذكية للتعامل معها.خامسًا: الحب يُزرع… ولا يُقطف دون جهدكثيرون يظنون أن الحب شعور لا يتغيّر، بينما الحقيقة أنه مثل الزهرة:▪️ إن لم تُسقَ يوميًا بالكلمة الطيبة، الذوق، التقدير، والمبادرات البسيطة… ذبُلت.▪️ وإن أُهملت، ذبلت قبل أوانها.أحيانًا تكفي نظرة دافئة، أو كلمة شكر، أو رسالة مساء، لتُعيد الدفء إلى قلب العلاقة.سادسًا: النضج النفسي… هو السند الخفي للعلاقةأن تكون ناضجًا نفسيًا يعني:▪️ألا تتوقع الكمال من الآخر▪️أن تتحمّل المسؤولية دون لوم دائم▪️أن تعترف بأخطائك وتتعلم منها▪️أن تملك المرونة للتغيير والتنازل في حدود القيمالنضج هو من يَحول دون أن تتحوّل العلاقة إلى ساحة للصراع على من الأحق والأصح.سابعًا: العلاقة مع الله… مصدر البركة والسكينةالبيت الذي تُبنى جدرانه على طاعة الله، ويُسقى دعاؤه بالصلاة، يُنبت سكينةً لا يُنبتها شيء آخر.▪️ صلّيا معًا▪️ دعوا الله أن يربط قلبيكما▪️تذكّرا أن بينكما ميثاقًا غليظًا لا يُستهان بهالعلاقة مع الله ليست فقط لحظة عقد القِران، بل أساس يُرافقكما في كل قرار وكل أزمة.◾خاتمةالخطوبة ليست مرحلة مؤقتة، بل بوابة مصيرية.من يُحسن فهمها يُحسن اختيار الطريق، ومن يبدأها بالصدق والإدراك، يصل إلى زواج واثق، مليء بالتفاهم والاحترام والمودة.فلا تجعلوا الحب عاطفة عابرة، بل اجعلوه سلوكًا ناضجًا يُمارس كل يوم، وكلمة طيبة تُقال في كل لحظة، وعهدًا روحيًا يُحترم حتى في أشد الخلافات.ابدأوا العلاقة بفهم… وابنوا الحب على وعي… واتركوا خلفكم أثراً من الرحمة لا يُنسى.