الحلواني: إلغاء حبس المدين في قانون التنفيذ الأردني… تغيير جذري في ميزان العدالة الاجتماعية وحقوق الأفراد – بقلم الدكتورة المحامية ثروت الحلواني

صدر التوجيه الرسمي بتطبيق التعديل على المادة 22/1 من قانون التنفيذ المعدل رقم 9 لسنة 2022، اعتبارًا من صباح الأربعاء 25/6/2025، إيذانًا بانتهاء العمل بإجراء حبس المدين في القضايا الحقوقية والمدنية، باستثناء فئات محددة. جاء هذا التعديل في إطار سعي المشرّع الأردني إلى تحقيق توازن بين صيانة كرامة المدين وبين ضمان الحقوق المشروعة للدائن، في ظل أوضاع اقتصادية صعبة وتزايد أعداد الموقوفين لأسباب مالية.أولاً: القضايا المستثناة من التعديل (التي لا يزال الحبس فيها قائمًا)بحسب التوجيه القضائي، فإن حبس المدين ما زال ممكنًا في الحالات التالية:1. عقود الإيجار السكنية (بدل الأجرة).2. النفقة الشرعية (للزوجة أو الأولاد).3. الشيكات المحررة بقصد التنفيذ.4. الديون لصالح الدولة التي تزيد عن 5000 دينار أردني.5. التعويضات عن الأفعال الضارة الجسيمة أو الناتجة عن جرائم، لا سيما إذا ترتب عنها أذى جسدي أو مادي كبير.ثانيًا: القضايا التي يشملها إلغاء الحبسجميع القضايا الحقوقية والمدنية الأخرى التي لا تدخل ضمن الفئات أعلاه، وأبرزها:• الديون الاستهلاكية.• القروض البنكية الشخصية الصغيرة.• الكمبيالات والسندات المدنية.• الالتزامات غير التجارية وغير الجنائية.ثالثًا: الإيجابيات1. صون الكرامة الإنسانية ومنع سلب الحرية بسبب الفقر أو التعثر غير المتعمد.2. تخفيف الضغط على السجون ومراكز التوقيف.3. تشجيع الحلول السلمية والوساطات بدلاً من العقوبات القسرية.4. الانسجام مع المبادئ الدستورية والمواثيق الدولية التي تحظر حبس الإنسان بسبب عجزه المالي.5. حماية الأطفال والعائلات من الانهيار بسبب توقيف المعيل.رابعًا: السلبيات والتحديات1. ضعف أدوات التحصيل البديلة، ما قد يؤدي إلى تهرب المدين غير الحسن النية.2. غياب قاعدة بيانات وطنية واضحة للمدينين وقدراتهم المالية.3. إضعاف ثقة الدائن في النظام القضائي، خاصة في القضايا التجارية.4. احتمال استخدام التعديل كوسيلة للتحايل من قبل البعض ممن يملكون القدرة المالية ولكن يخفون أموالهم.خامسًا: الحلول المقترحة لضمان نجاح التعديل1. تطوير آليات التحري المالي• إنشاء نظام وطني إلكتروني يتيح للمحاكم الوصول إلى معلومات المدين المالية (البنوك، الضمان، العقارات، الرخص التجارية…).2. تفعيل إجراءات الحجز على الأموال المنقولة وغير المنقولة• استباق الحجز على دخل المدين أو ممتلكاته بدلًا من اللجوء للحبس.3. تطبيق جدول زمني للسداد• منح المدين خيار تقسيط الدين تحت رقابة المحكمة، مع توقيع التزام رسمي جزائي حال الإخلال.4. إدراج المدين الممتنع عن الدفع في سجل ائتماني سلبي• مما يحد من قدرته على الاقتراض أو إجراء معاملات مالية مستقبلية.5. تشجيع الوساطة القانونية قبل رفع دعوى التنفيذ• من خلال مراكز تسوية تعمل بإشراف قضائي، وتوفر حلولًا مرضية للطرفين.6. استثناء المماطل المتعمد من الحماية• بتعديل تشريعي لاحق يُفرق بوضوح بين المدين المعسر والمماطل، ويتيح للقاضي صلاحية تقديرية مبنية على دليل واضح.واخيراً…إن إلغاء الحبس التنفيذي لمعظم قضايا الديون لا يعني إهدار حق الدائن، بل يمثل تحولًا نحو عدالة تصالحية قائمة على الشفافية والفعالية. غير أن نجاح هذه الخطوة التشريعية يتطلب بنية تنفيذية قوية، وأدوات رقابية عادلة، تحقق رد الحقوق دون المساس بحريات الأفراد أو إذلالهم بسبب الفقر.