الفرجات يكتب: مشروع المياه الخليجية للسلام، تحلية مياه المتوسط من شمال شرق الأردن إلى سوريا ولبنان

مدار الساعة – كتب: أ.د. محمد الفرجات – بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني وبرؤية استراتيجية لمجلس التعاون الخليجي.منذ بدايات حكمه، أكد جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين على أن الأمن المائي هو أحد أركان الاستقرار الوطني والإقليمي. ولطالما طرح جلالته في خطاباته الأممية والداخلية رؤى متقدمة تدعو إلى حلول جماعية مبتكرة لمواجهة التحديات المائية المتفاقمة، مؤكداً أن السلام الحقيقي لا يتحقق إلا بالعدالة في الموارد، وعلى رأسها المياه.واليوم، تضع الظروف المناخية والسياسية والاقتصادية إقليمنا أمام خيارين: التعاون العميق أو الاضطراب المستمر. وهنا تبرز فكرة هذا المشروع الذي يتلاقى فيه الدور الريادي للأردن، مع قدرات وإمكانات مجلس التعاون الخليجي، في مبادرة قادرة على تغيير قواعد اللعبة في المشرق العربي.فكرة المشروعيقوم المشروع على تحلية مياه البحر المتوسط على سواحل شمال غرب سوريا (ميناء بانياس أو اللاذقية)، ونقلها بأنبوب رئيسي إلى شمال شرق الأردن، حيث يتم استكمال التحلية والتوزيع عبر محطات ومراكز طاقة شمسية، لإيصال المياه المحلاة إلى الأردن وسوريا ولبنان.يتم تنفيذ المشروع عبر تمويل خليجي جماعي، بإشراف تنفيذي وفني من دول مجلس التعاون، ضمن رؤية تحقق الاستقرار المناخي والسكاني والغذائي والسياسي.لماذا المشروع الآن؟1. أزمة مناخية حادة:شهدت المنطقة انخفاضًا في معدل هطول الأمطار يتراوح بين 30 إلى 50% منذ العام 2000.ترتفع درجات الحرارة بمعدل 0.4 درجة مئوية كل عقد.تعاني الموارد المائية السطحية والجوفية من نضوب خطير.2. انفجار ديمغرافي مقابل موارد ثابتة:الأردن: سكانه تجاوزوا 11 مليونًا، بينما نصيب الفرد من المياه المتجددة لا يتجاوز 80 مترًا مكعبًا سنويًا، وهو ما يعادل أقل من سدس خط الفقر المائي العالمي.سوريا: تعاني من دمار واسع في البنية التحتية المائية، خاصة في الجنوب السوري الذي يعتمد على شبكة مياه محدودة ومتضررة.لبنان: البقاع وزحلة وبعلبك تعاني من جفاف مهدد للزراعة والمجتمع.3. الفرصة الخليجية:فوائض مالية خليجية تفوق 600 مليار دولار.خبرات واسعة في بناء محطات التحلية والطاقة الشمسية (السعودية، الإمارات، قطر).رغبة خليجية متنامية في توسيع أدوات التأثير الإقليمي السلمي عبر دبلوماسية التنمية.مكونات المشروع الأساسية1. سحب المياه من المتوسط:يتم بناء أنبوب ضخم لسحب مياه البحر من ميناء بانياس أو اللاذقية.يبلغ طول الأنبوب حوالي 400 كيلومتر، وقطره نحو 3.5 متر.وتُقدر القدرة اليومية لهذا الأنبوب على نقل 4.2 مليون متر مكعب من المياه إلى الداخل الأردني.2. محطات التحلية الرئيسة:تُقام أربع محطات تحلية رئيسية على الأراضي الأردنية، في مناطق الصفاوي، الرويشد، الأزرق، والدفيانة.تعتمد هذه المحطات على تقنيتي التحلية متعددة التأثير والتناضح العكسي.القدرة الإجمالية للتحلية تصل إلى 2 مليار متر مكعب سنويًا.3. الطاقة الشمسية اللازمة:لتشغيل المحطات، يتم بناء مجمعات شمسية ضخمة بقدرة إجمالية تصل إلى 4.5 جيجاواط.يتم اختيار مواقع ذات إشعاع شمسي مرتفع، مثل صحراء الأزرق، منطقة السعدان، ووادي رم.يتم اعتماد أنظمة الخلايا الشمسية الهجينة مع التخزين الحراري لتأمين الطاقة ليلاً وفي الشتاء.4. شبكة التوزيع الإقليمية:يتم توزيع المياه المحلاة وفق خطة ثلاثية:إلى الأردن: المفرق، الزرقاء، عمان، إربد، عجلون، جرش، مادبا، الكرك.إلى سوريا: درعا، دمشق، السويداء.إلى لبنان: زحلة، البقاع، بعلبك.التمويل والتكلفةتبلغ التكلفة الإجمالية المقدّرة للمشروع حوالي 50 مليار دولار أمريكي، موزعة كالتالي:بناء الأنبوب من البحر المتوسط إلى الداخل الأردني: 10 مليارات دولار.إنشاء محطات التحلية الأربع: 15 مليار دولار.بناء محطات الطاقة الشمسية المساندة: 14 مليار دولار.تمديد شبكات التوزيع الإقليمية والبنى التحتية الداعمة: 8 مليارات دولار.أنظمة التحكم والتشغيل الذكية ومراكز المتابعة: 2 مليار دولار.التدريب، التوطين، وخدمات البيئة والبنى الاجتماعية: 1 مليار دولار.التمويل المقترح: يتم عبر شراكة بين:صندوق الاستثمارات العامة السعودي.جهاز قطر للاستثمار.مبادرة الإمارات للطاقة النظيفة.البنك الإسلامي للتنمية.الصندوق الخليجي للتنمية الإقليمية.العوائد والفوائد1. عوائد مالية مباشرة من بيع المياه:بيع 500 مليون متر مكعب سنويًا للأردن بسعر 0.5 دولار للمتر، بإيرادات تقارب 250 مليون دولار سنويًا.بيع 800 مليون متر مكعب لسوريا بسعر تفضيلي 0.3 دولار، بإيرادات 240 مليون دولار سنويًا.بيع 500 مليون متر مكعب للبنان بالسعر ذاته، بإيرادات 150 مليون دولار سنويًا.إجمالي العوائد السنوية من بيع المياه: 640 مليون دولار.2. عوائد غير مباشرة:خفض الاعتماد على المياه الجوفية المعرضة للنضوب.تمكين زراعة أكثر من 300,000 دونم جديد في الشمال الأردني، جنوب سوريا، والبقاع اللبناني.دعم جهود إعادة إعمار الجنوب السوري والمناطق الزراعية المتدهورة.توليد ما لا يقل عن 25,000 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة.التخفيف من الهجرة البيئية والتوترات السكانية.3. عوائد بيئية ومناخية:خفض انبعاثات الكربون بما يقارب 7 ملايين طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا بفضل استخدام الطاقة الشمسية.إمكانية بيع أرصدة كربونية في الأسواق الدولية بقيمة 100 مليون دولار سنويًا.الفوائد السياسية والأمنيةتعزيز موقع الأردن كممر ومركز إقليمي للمياه والطاقة المتجددة.إسهام ملموس في إعادة دمج سوريا تدريجيًا ضمن مسارات التنمية.إنقاذ لبنان من تفكك بيئي واجتماعي محتمل.الحد من نفوذ القوى غير العربية التي تستغل ضعف البنى التحتية.توسيع النفوذ الخليجي الناعم كفاعل تنموي وحضاري في المشرق العربي.الحوكمة المقترحةلضمان الكفاءة والاستدامة، يُقترح:إنشاء الهيئة الخليجية لتحلية المتوسط:مقرها في عمان أو الرياض.تمثيل من الخليج، الأردن، سوريا، ولبنان.تتمتع بصلاحيات تنفيذية مستقلة وتدار بمعايير الحوكمة البيئية والاجتماعية.تأسيس مركز إقليمي للتدريب والابتكار في المياه والطاقة في الأزرق، لتأهيل الفنيين والمهندسين من الدول الثلاث، بدعم من جامعات خليجية وأردنية.يقدّم هذا المشروع فرصة تاريخية للأردن والخليج لقيادة مسار سلام مائي وتنموي شامل، يعزز الاستقرار، ويوفر موردًا نقيًا للأجيال القادمة، ويصنع فارقًا جيوسياسيًا لصالح العرب في منطقة تعاني من أزمات متعددة.وإذا ما تبناه جلالة الملك عبد الله الثاني كرؤية إقليمية أردنية، مدعومة خليجيًا، فسيُسجل كأحد أعظم مشاريع التكامل العربي في القرن الحادي والعشرين.