خريسات يسلط الضوء على الهجرة: من مكة إلى المدينة، ثم إلى قلوب الأردنيين الهاشميين – تأليف: أ. فراس خريسات

لم تكن الهجرة مجرد انتقالٍ من أرضٍ إلى أرض،بل كانت نقلةً من العدم إلى الوجود، ومن الاستضعاف إلى التمكين، ومن الشك إلى اليقين…الهجرة ليست تاريخًا نُدوّنه على رزنامة ونُهنّئ بعضنا بهبل هي بداية التأريخ لأمة، تُقاس أعمارها لا بالسنوات، بل بالمواقف التي تُغيّر مسار الدنيا.لقد خرج النبي ﷺ من مكة لا لأنه لم يحبها، بل لأنه كان يحمل نورًا، وقد آن له أن يسطع في المدينة.خرج ومعه أبو بكر، لا لأن الطريق يحتاج إلى من يملأ الفراغ، بل لأن الصحبة في طريق الهداية ركنٌ من أركان الثبات.فما بالك بصحبة نبيٍ ومُصطفى؟وما بالك برجلٍ يقول له المصطفى في أحلك اللحظات:﴿لا تحزن إن الله معنا﴾؟أيُّ قوة تلك التي تجعل ثاني اثنين في غار، أشد من ألف جيش فوق أرض؟الهجرة ليست حدثًا… بل فكرةالهجرة حدثٌ تمّ، لكن فكرتها باقية.فكلّ من هجَر المعصية إلى الطاعة… فقد هاجر، وكل من ترك ظلم النفس وسلك طريق الإصلاح… فقد هاجر.وكل من هاجر الكسل، واللامبالاة، والفراغ إلى العلم والعمل والنية… فهو من أبناء الهجرة.الهجرة لم تكن انسحابًا، بل بداية التخطيط الحضاري،بدأت بالمسجد… ثم الأخوّة… ثم السوق… ثم الدولة.علمتنا الهجرة أن الطريق طويل، لكن الله لا يضيع من سار فيه بإخلاص.ومن مكة إلى المدينة… إلى الأردنومن بركة الهجرة أن شعلة النور التي خرجت من مكة واستقرت في المدينة،لم تنطفئ، بل واصلت رحلتها في قلوب الهاشميين، الذين حملوا هذا الإرث العظيم بأمانة.فكان الأردن… هذه الأرض الطيبة، بلد الهاشميين الذين ما زالوا إلى اليوم يسيرون على خُطى الهجرة في صبرها، وحكمتها، ونورها…يحفظون العهد، ويصونون الرسالة، ويجددون ذكرى الهجرة لا باحتفالات شكلية، بل بحملهم لأمانة هذه الرسالة في زمنٍ تكاثرت فيه الظلمات.إننا في الأردن، لا نكتفي بذكرى الهجرة… نحياها، نقرأها في مواقف قيادتنا الهاشمية، في نصرتهم للقدس، في دفاعهم عن المستضعفين، في صلابتهم وسط العواصف، وفي حرصهم على وحدة الأمة في زمن التمزق.فكما كانت الهجرة ميلاد أمة، فإن الأردن اليوم هو الحارس الباقي على أبواب هذه الرسالة.بلدٌ صغير بجغرافيته… كبير بأمانته.وأحفاد النبي ﷺ ما زالوا هنا… يقولون للعالم:“لا تحزنوا، إن الله معنا.”دروس لا تشيخ- الهجرة درسٌ في التوكل:﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾لم تكن الصحراء تهابهم، بل كانوا يقطعونها بثقة أن الله معهم.- الهجرة درسٌ في الصحبة:لا يمضي النور وحده… بل يصطحب الأرواح التي تُشبهه.- الهجرة درسٌ في التأسيس:من الغار خرجت دولة، ومن المدينة انطلقت حضارة.فماذا عن هجرتك أنت؟يا من تقرأ هذه السطور…هل بدأت هجرتك من غفلتك إلى نورك؟ من “مكة الذنوب” التي تحاصرك… إلى “مدينة الإيمان” التي تنتظرك؟ من صُحبةٍ تُطفئك… إلى صحبةٍ تُشعل فيك النور؟كل عام هجري لا يكون بداية لهجرة داخلية… هو عام ميت.الخاتمة:ليست الهجرة ذكرى، بل دعوة مفتوحة في كل زمان،دعوة أن تهاجر من ضيق نفسك إلى رحابة الله، وأن تفهم أن كل ما تتركه لله، سيعوضك الله عنه… لا بالمثل، بل بالبركة.اللهم اجعل هذا العام الهجري بداية لهجرةٍ صادقة نحوك… وهبْ لنا من نور نبيّك ﷺ قبسًا لا ينطفئ.