إلى روح المرحوم العزيز الحاج يونس محمد النيص

مدار الساعة – إلى روح الفقيد الغاليالحاج يونس محمد عبدالفتاح النيصالذي رحل عن دنيانا، لكنه ظلّ حيًا في أعماقنا،نقاء روحه وصدق محبته كانا نورًا يُضيء دروبنا،غاب جسده، لكن حضوره لا يغيب،يحتضن أرواحنا، وينسج أمانًا في قلوبنا.نسأل الله أن يرحمه برحمته الواسعة،ويجعل مثواه جنّة الفردوس، حيث لا فراق ولا ألم،بل لقاءٌ أبدي مع الحنان والسلام.—صِلة الروح… أم صِلة الدم؟في عالم يتداخل فيه العطاء والمودة،تتخطّى روابط الدم أحيانًا حدود القلب والروح.يظنّ البعض أن المحبة محصورة بصِلة الدم فقط،لكن الحقيقة أعمق وأوسع من أن تُقاس بجيناتٍ أو نسب.فكيف تتجاوز المحبة القيود المادية،لتصبح علاقة روحية تُثمر فينا دفءَ الانتماء والحنان؟يتعجّب البعض حين نذرف الدمع على راحلٍ لا تربطنا به صِلة دم،وكأنّ للمحبة قانونًا لا يُخالف، وقواعد صارمة لا بدّ من الالتزام بها.لكنّ المحبة، في جوهرها، ليست عقدَ نسب،ولا وصلاً برحِمٍ أو خيطٍ وراثي، بل هي تدفّق روحيّ صافٍ،لا تحكمه أنظمة، ولا يحدّه دستور.أفلا يُفيض قلبي حبًّا على رجلٍ ناداني بـ”ابنتي”،حين أربك الحزن أركاني، ورأيت أبي يغيب تحت الثرى؟إن القلوب تولد، وإن العيون تمسح آلامًا على ضفاف الأرواح،وكم من بهجة أزهرت على وجناتنا،ليس بفضل قرابة، بل بنور المحبة الخالصة!ربما يرافقك في رحلة العمر رفيقٌ لم يجمعك به سقف،وتمنحك الحياة عاطفةً لا تُرجى منها منفعة،ولا تُقاس بمنطق، بل تُمنح فقط… لأن القلب هو الذي اختار.لقد عرفتُ معنى الانتماء، والسند، والعزاء،في أحضان أناسٍ لا تربطني بهم صِلة نسب،لكنهم كانوا لي أهلًا، وملاذًا، وحصنًا من نوائب الدهر.فحين غيّبهم التراب، انكسر ظهري،وغَرِقتُ في وجع الفقد، كأنّي فقدتُ جزءًا من نفسي.في الحبّ، لا تُرسم عناوينٌ، ولا تُنسج حبكاتٌ، ولا تُتوقّع نهاياتٌ…فالحبّ هو الحبّ، وأصله الأرواح لا الأجساد.وقد قال المصطفى ﷺ:”الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف.”فالأرواح، إذًا، تلتقي قبل أن تُبصر العيون النور،في عوالم لا يحدّها الزمان والمكان،حيث تتشابك الأقدار، وتُنسج خيوط المحبة الخالدة.ذلك اللقاء الروحي هو أصل كلّ حب،والتآلف بين القلوب هو الفطرة التي لا تُكسر.فلنقل إذًا: “أحبك من روحي” بدلًا من “أحبك من قلبي”،ففي الروح مسكن الصفاء، وفيها ينبوع الصدق،تنسج خيوطها الخفية ثوبًا من الدفء،تلفّ به أرواحنا، وتُداوي به شقوق الألم فينا.نعم، نحبّ من ليسوا من دمنا،ونشتاق إلى من لم نخرج من أصلابهم،ولسنا بحاجة إلى نسبٍ لنُخلص أو نتعلّق.فالمحبّة الحقيقية… صِلةُ روحٍ لا صِلةَ دمٍ.في زمنٍ تعصف فيه متغيّرات الحياة بالعلاقات،يبقى القلب هو الملاذ،والروحُ هي المساحة الخفيّة التي نلتقي فيها ،بعيدًا عن ضجيج الواقع، حيث لا شرط ولا قيد، بل صفاءٌ خالص.فلنمنح المحبة جوهرها النقي، متحرّرةً من قيد النسب،ولنزرع في قلوبنا بذور الوفاء لمن اختاروا أن يكونوا جزءًا منا،لا بصِلة دم، بل بصِدق الحضور وعمق الأثر.فالحبّ لا يُقاس بالوثائق،ولا يُحدَّد باللقب أو السجل،جواز سفره الروح، وبطاقته القلب…لا ختمًا من مادة، بل توقيعًا من نور.