المحامي محمد علي الجبور يستعرض المستجدات القانونية المتعلقة بحبس المدين في التشريع الأردني

المحامي محمد علي الجبور يستعرض المستجدات القانونية المتعلقة بحبس المدين في التشريع الأردني


شكل موضوع حبس المدين أحد أبرز الملفات الجدلية في التشريع الأردني خلال العقد الأخير، لما له من أثر مباشر على الحقوق المدنية من جهة، وعلى الحريات الشخصية وكرامة الإنسان من جهة أخرى. وقد جاء التعديل الأخير على قانون التنفيذ الأردني ليعيد صياغة العلاقة بين الدائن والمدين ضمن إطار أكثر توازنًا، متجهًا نحو فلسفة “العدالة التصالحية” بدلاً من “العدالة العقابية.أقر القانون الأردني في تعديله الأخير على قانون التنفيذ ما يلي:1. تقييد الحبس التنفيذي بحيث لا يُصار إلى حبس المدين إلا بعد ثبوت قدرته على الوفاء وامتناعه المتعمد عن السداد.2. منع الحبس نهائيًا في حالات:• المدين المعسر غير القادر على الدفع.• إذا كان مقدار الدين دون سقف معين (مثلاً: أقل من 5000 دينار).• إذا كان المدين من فئات اجتماعية محمية (كبير سن، مريض، معيل لأطفال).3. تحديد مدة الحبس:• أقصى حبس للدين الواحد: 60 يومًا.• لا يجوز أن تتجاوز مدة الحبس سنويًا 120 يومًا مهما بلغ عدد الأحكام.4. اعتماد بدائل تنفيذية مثل:• المراقبة الإلكترونية (السوار الإلكتروني).• الخدمة المجتمعية.• التقسيط القضائي.• الحجز على الأموال المنقولة وغير المنقولة.الأثر القانوني للتعديل:إن هذا التعديل لا يُسقط حق الدائن في المطالبة، ولا يُلغي سند الدين أو السند التنفيذي، بل يغيّر فقط الوسيلة التنفيذية الأساسية، لينتقل من الحبس إلى وسائل مدنية أكثر عدالة وإنسانية.وقد شدد القانون على أن حق التنفيذ يبقى قائمًا، ولكن ضمن آليات لا تنتهك مبدأ الحرية الشخصية المصونة بموجب الدستور الأردني في المادة (7)، ولا تخالف التزامات الدولة في الاتفاقيات الدولية، خاصة العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.يُعد هذا التحول جزءًا من منظومة تشريعية أوسع تستهدف:• تحقيق التوازن بين الحق المالي وحق الحرية الشخصية.• تشجيع التسوية والوساطة عوضًا عن الخصومة والسجن.• تقليل الاكتظاظ في مراكز الإصلاح والتأهيل.• حماية الفئات المهمشة والضعيفة قانونيًا واجتماعيًا.رغم الإيجابيات، تبرز عدة تحديات، منها:1. إثبات العجز المالي: إذ أن عبء الإثبات لا يزال ملقى على كاهل المدين غالبًا.2. غياب قاعدة بيانات موحدة تساعد المحاكم على التحقق من الذمم المالية بدقة.3. احتمالية إساءة الاستخدام من بعض المدينين بحجة العجز، دون وجود نية حقيقية للسداد.4. تضاؤل أثر الردع القانوني لدى بعض الفئات، في غياب الحبس كأداة ضغط.يبقى حبس المدين في صورته القديمة حالة غير متوافقة مع متطلبات العدالة الاجتماعية والاقتصادية الحديثة. وقد جاء القانون الجديد ليؤكد أن الحبس ليس وسيلة لتحصيل الحق، بل آخر الدواء، ويجب ألا يُستخدم إلا في حالات الاحتيال أو التهرب المتعمد.وهكذا، يكون المشرّع الأردني قد اتخذ خطوة مهمة نحو عدالة تراعي الإنسان دون أن تُهدر حق الدائن.القانون الجديد ألغى الحبس التنفيذي من حيث الأثر، وأبقى عليه شكليًا. النتيجة أن المدين المعسر أو المتلاعب يتمتع بالحماية، فيما يتحول الدائن إلى “محكوم عليه بالصبر”، ينتظر مالًا لن يأتي، وحكمًا لن يُنفذ.وهذا هو الإعدام المدني بعينه – لكن بحق الدائن، لا المدين.العدالة مش معناها نسجن الفقير،ولا نترك الغني يتهرّب…العدالة توازن بين الرحمة والحق.