قرقودة تكتب: عندما يتعارض القلق.. توتر الامتحانات وقلق صفارات الإنذار ـ بقلم: تغريد جميل قرقودة

في لحظة من أكثر اللحظات حساسية في حياة الطالب الأردني، وتحديدًا في امتحان التوجيهي، ذلك الامتحان الذي لا يُعامل في مجتمعنا كمحطة دراسية عابرة، بل كـ”قدر” يحسم مستقبل الإنسان، ويمنحه أو يحرمه مفاتيح الحلم، انطلقت اليوم ثلاث صافرات إنذار متتالية، فتداخلت الأصوات، واختلط الخوف بالخوف، والقلق بالقلق، وكأنّ السماء قررت أن تختبر طلابنا قبل أن يختبروها بالعلم.ثلاث صافرات ليست مجرّد إنذارات من خطر خارجي، بل كانت صدىً لارتجاج داخلي في أرواح الطلبة. كل طالب جلس على مقعد الامتحان يحمل في قلبه خوفًا قديمًا اسمه “التوجيهي”، فإذا بالسقف يهتز على صوت الإنذارات القريبة، فتصبح الورقة قلقة، والقلم مرتعشًا، والعقل مشرّدًا ما بين الإجابة وبين النجاة.هذه اللحظات لم تكن عابرة. هي لحظة تجسّد فيها القلق الوجودي بشكل مضاعف. فالتوجيهي في الأردن ليس فقط امتحانًا أكاديميًا، بل هو امتحان للهوية، للثقة، للكرامة. وعندما دوّت الصفارات، ارتبك الوعي عند الاغلبية العظمى. تخيّل أن تُسأل عن قاعدة من مادة الأدب الإنجليزي، بينما السماء تلمّح لك بأن لا شيء في الخارج مضمون… لا الأمن، ولا الحياة، ولا حتى استمرار الامتحان.حتى أولياء الأمور أصابهم القلق من خلف الأسوار، وهم يراقبون أبناءهم يتعرضون لامتحان مزدوج: واحد على الورقة، وآخر في الهواء. أما المعلمون، فقد بدت في أعينهم نظرات العجز، وكأنهم أمام مشهد لا يمكن شرحه ولا تجاوزه بسهولة.كم نحن بحاجة إلى نظام تعليمي يتّسع للإنسان، لا فقط للعَلامة. نظام لا ينهار فيه الطالب أمام صوت خارجي، لأن الداخل قوي وواثق ومتين. وكم نحن بحاجة إلى بيئة امتحانية تُدرك أن الإنسان ليس آلة، وأن الخوف إن دخل القاعة، لن تخرُج منه أي إجابة.لا يكفي أن نقول “الحمد لله عدّت بسلام”. السؤال الفلسفي الأعمق هو: لماذا أصلاً نربط المصير بامتحان، ثم نعرّض المصير للارتباك بأصوات لا يتحمّلها أحد؟قد تكون الصفارات مجرّد تمرين أو إنذار روتيني، لكنها بالنسبة لطالب التوجيهي كانت صفّارة الموت النفسي المؤقت. فالتوجيهي نفسه إنذار دائم… صفّارة تُطلقها الدولة كل عام، تنبه بها الجيل الجديد بأن مصيرك محصور بين ورقة وقلم وزمن ضيّق.ومن هنا، فإن هذا اليوم الذي خاف فيه طلابنا من أسئلة الامتحان التي لم تكن سهلة، ومن خطر الصفارات المدوية ، ما بيدنا سوى ان نطلب من وزارة التربية أن تأخذ بعين الإعتبار أن ما حدث كان يصعب على الطلاب تجاوزه بسهولة لذلك سنبقى نردده كثيراً في مثل هذا اليوم .