الجغبير يكتب: خيارات الشرق الأوسط بين السلام والتصعيد الشامل ـ بقلم: يوسف أحمد الجغبير

قبل اندلاع المواجهة العسكرية الأخيرة مع إيران، كانت إسرائيل تمتلك تفوقًا عسكريًا نوعيًا في منطقة الشرق الأوسط، لكنها، رغم هذا التفوق، عجزت عن إعادة تشكيل خارطة المنطقة أو التفرد بقيادتها بالقوة، كما يروّج لذلك المسمى نتنياهو.وفي الوقت الذي كانت فيه الإدارة الأميركية تخوض مفاوضات مع طهران بشأن الملف النووي، سعت إسرائيل إلى تعطيل هذا المسار التفاوضي، والانتقال إلى خيار عسكري بدعم أميركي، بهدف تحييد إيران كقوة إقليمية صاعدة.هذا التوجه يتفق مع العقيدة الأمنية الإسرائيلية، التي ترفض مبدأ توازن القوى في المنطقة، حتى وإن كان ضمن الأطر السلمية، انطلاقًا من قناعة استراتيجية بأن أي توازن — ولو مؤقتًا — يمكن أن يتحوّل لاحقًا إلى تهديد لوجودها. ومن هنا، تُصرّ إسرائيل على احتكار التفوق النووي والعسكري كشرط أساسي لبقائها في الشرق الأوسط.وفي 13/حزيران، نفّذت إسرائيل ضربة عسكرية موسّعة استهدفت منشآت نووية وعسكرية داخل إيران، تزامنت مع تحركات عسكرية أميركية واسعة، شملت إرسال حاملات طائرات وقاذفات استراتيجية. وقد أعلنت إسرائيل أن أهداف العملية تشمل: تدمير البرنامج النووي الإيراني، تقويض القدرات الصاروخية، وتهيئة الظروف لتغيير النظام في إيران.إلا أن الرد الإيراني جاء عسكريًا مفاجئًا، وعنيفًا بدرجة لم تكن تتوقعها إسرائيل، ولا حتى الولايات المتحدة، مما خلق معادلة جديدة في الصراع، وضَعَ إسرائيل وواشنطن أمام خيارات مركبة ومعقدة، تحيط بها تحديات إقليمية ودولية.لكن، يجب أن يكون واضحًا أن إسرائيل، حتى وإن بدت في مواقف ضعف ظاهري، فإنها لا تُترك وحدها في لحظات الخطر الوجودي؛ فشبكة حلفائها التقليديين، وعلى رأسها “اللوبي الصهيوني” داخل دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة والغرب، تتحرك بفاعلية في مثل هذه اللحظات الحرجة. وهذا يعني أن المعركة، إذا ما اقتربت من لحظة حاسمة تهدد وجود إسرائيل، قد تنتقل إلى طور مختلف كليًا، تنخرط فيه قوى دولية بشكل مباشر وبوسائل أكثر حدة وشمولًا، الأمر الذي قد يقلب موازين الصراع برمّته.السيناريوهات القادمة المحتملة:1. العودة إلى المسار الدبلوماسي:قد تلجأ إيران إلى خيار التهدئة ووقف التصعيد العسكري، إذا ارتأت أن استمرار المواجهة لا يصب في مصلحتها الاستراتيجية، فتقبل بشروط جديدة تتعلق ببرنامجها النووي، مقابل مكاسب اقتصادية أو تفاهمات حول النفوذ الإقليمي.2. هزيمة إيران عسكريًا:يتطلّب هذا السيناريو تدخلاً عسكريًا أميركيًا مباشرًا وشاملًا، إلى جانب حلفاء واشنطن (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا…)، مع بقاء قوى مثل روسيا، الصين، باكستان وتركيا على الحياد. وقد يؤدي ذلك إلى انهيار داخلي للنظام الإيراني، سياسيًا وعسكريًا ونوويًا.3. اندلاع حرب إقليمية موسعة:في حال شعرت طهران بأن بقاءها بات مهددًا، فقد توسّع المواجهة لتشمل جبهات متعددة عبر أذرعها في المنطقة (حزب الله، الحوثيون، الحشد الشعبي)، مع احتمالية انخراط غير مباشر من قبل روسيا والصين، ورفض تركي/باكستاني لأي انهيار إيراني قد يخلّ بالتوازن الجيوسياسي الإقليمي.في حال انزلاق المنطقة إلى السيناريو الثالث، فإن التداعيات ستكون كارثية: اضطرابات إقليمية شاملة، تهديد طرق الملاحة الدولية، تصاعد أزمة الطاقة العالمية، وتراجع اقتصادي واسع، يؤثر على كل الإقليم سياسيًا، واقتصاديًا، وأمنيًا، وصحيًا، وبيئيًا، واجتماعيًا. وهي تداعيات ((خطيرة بكل معنى الكلمة))، لا يمكن التنبؤ بمدى آثارها أو تحديد الأطراف الرابحة والخاسرة فيها.إن الشرق الأوسط اليوم أمام لحظة مفصلية، تحددها موازين الردع، وحدود التحالفات، وقدرة الأطراف الفاعلة على تجنّب هذا الانفجار الشامل… أو الانخراط فيه.