الحماد يعبّر: الملك.. رمز العدالة أمام صمت المجتمع الدولي – تأليف: الدكتور خلف الحماد

الحماد يعبّر: الملك.. رمز العدالة أمام صمت المجتمع الدولي – تأليف: الدكتور خلف الحماد


كان خطاب جلالة الملك عبد الله الثاني أمام البرلمان الأوروبي خطاباً جريئاً وشجاعاً، خطابًا جديرا بالاهتمام؛ لأنه يمثل موقف قائد لا يساوم، وزعيم قدير لا يُملى عليه قرار، ويتخذ من ضميره الحي بوصلة أخلاقية في زمن تعدّ فيه الأخلاق والإنسانية عملةً صعبة، بل ونادرة.لم يمثّل الملك الدولة الأردنية فقط، بل صوتٌ باسم الإنسانية في مواجهة الصمت الدولي المريب، كانت كلمات جلالته اختزالًا لمشهد عربي كبير: قائدٌ يقف وحده بجرأة وصلابة أمام قوى العالم الكبرى، ليذكّر العالم أجمع بأن قيمة الدول، والشعوب لا تُقاس بالقوة، والعتاد، والسلاح، بل بالعدل، والحق، والكرامة.من قلب أوروبا، أضفى جلالة الملك منظومة القيم الإنسانية على السياسة، بعد أن كادت هذه القيم تُفرّغ من مضمونها، وتصبح محض عسكرية قاتمة. قالها بصراحة ومن دون مواربة: “العالم اليوم يعيش أزمة أخلاقية عميقة، والنظام الدولي بات غير قادر على حماية القيم، أو الحقوق”. لم تكن هذه الجملة توصيفًا سياسيّا بقدر ما كانت صفعة للضمير العالمي الذي يشاهد معاناة الشعوب أينما كانت، ويلتزم الصمت حيالها.وكما في كل خطاب ملَكي، حضرت القدس هذه المرة ليس بوصفها مكانا، بل هُوية، ووجع، ورسالة. حمل جلالته هَمّ القدس، وصرخة غزة في صوته، مؤكدًا أن السلام لا يمكن أن يُبنى على أنقاض البشر وحقوقهم، وأن القيم تصبح شعارات جوفاء حين لا تُترجم إلى أفعال. قالها جلالته بحزم قائد، ولوعة أبٍ حانِ: “مرور عشرين شهرًا على هذه الوحشية يجب أن يثير قلقنا جميعًا… لكن عندما تفشل المنظومة العالمية في سدّ الفجوة بين القول والفعل، تصبح القيم ادعاءات فارغة”.بهذا التصريح، اختصر الملك ما يخشاه كل من يؤمن بالعدالة والإنسانية: أن يفقد العالم بوصلته الأخلاقية، ويتحوّل إلى مسرح للادّعاءات، والمناكفات بلا طائل يذكر.في زمن التحالفات المرتعشة، يبقى جلالة الملك عرّاب السياسة الرصينة. يمشي بثبات حيث يتردد الآخرون، ويتحدث حين يصمت العالم. إن الأردن لا يلعب دور الوسيط فقط، بل هو حامل لواء الضمير الإنساني في المحافل الدولية.إن خطاب جلالة الملك عبد الله الثاني أمام البرلمان الأوروبي لن يُسجَّل بصفته موقفا دبلوماسيّا عابرا، بل حدث تاريخي يعيد تعريف العلاقة بين القوة والعدالة، ويُعيد إحياء الدور الأخلاقي للسياسة في زمنٍ صعب نشهد فيه تحولاتٍ سياسيةً، وعسكريةً غاية في الصعوبة.وها هو الأردن، بقيادته الهاشمية القديرة، يؤكّد من جديد أنه ليس مجرد دولة صغيرة بمواردَ محدودة، بل هو منارةُ قيم، ودرعٌ أخلاقي حصين، وشريكٌ مهم في الأصعدة كافة. حفظ الله جلالة الملك، وسدد خطاه، وبارك مسيرته من أجل أردن أقوى، ومنطقة أكثر عدلًا وسلامًا.