الكردي تكتب: صوت الملك المميز.. من منصة أوروبا.. الأردن يتحدث نيابة عن الضمير العالمي ـ بقلم: جوان الكردي

الكردي تكتب: صوت الملك المميز.. من منصة أوروبا.. الأردن يتحدث نيابة عن الضمير العالمي ـ بقلم: جوان الكردي


في زمنٍ تتشابك فيه الأجندات، وتضيع فيه البوصلة الأخلاقية تحت ثقل التحالفات والمصالح، خرج صوتٌ مختلف من قلب البرلمان الأوروبي. لم يكن خطابًا سياسيًا تقليديًا، بل كان وقفةً أخلاقية وإنسانية نادرة وسط صخبٍ عالمي لا يُنصت إلا لصوت القوة.خاطب العالم من منبرٍ لا يُعلي شأن القوة، بل جوهر القيم. تحدّث عن الحروب لا كمواجهاتٍ عسكرية، وعن الأمن لا كمفهومٍ مرتبطٍ بالردع. وعندما أكّد جلالته أن الحروب تُخاض على القيم قبل أن تُخاض على الأرض، فإنه كان يعيد ترتيب المفاهيم في ذهن العالم، ويضعنا أمام سؤالٍ جوهري: على أي أساسٍ تُبنى شرعية الدول؟ بالقوة أم بالقيم؟خطابه كان إدانةً واضحة لصمت العالم أمام المأساة في غزة، وإعادة تعريف لما يجري هناك باعتباره “جريمة” لا مجرد نزاع سياسي. لم يكن مجرد تضامن، بل إحياءٌ للضمير.وجاء تأكيده على القدس كقضية مركزية، وعلى الوصاية الهاشمية كالتزامٍ تاريخي، ليمنح الهوية بُعدًا يتجاوز الجغرافيا نحو الحفاظ على التنوع والسلام الديني، وسط محاولاتٍ مستمرة لطمس الحقائق وتزييف التاريخ.جلالته لم يكن يُلقي خطابًا بقدر ما كان يحمل مرآة أمام العالم ليرى نفسه كما يجب، لا كما يشتهي.قالها بوضوح لا يحتاج إلى تفسير:”نعيش موجة تلو الأخرى من الاضطرابات دون توقف، فلا عجب أن نشعر أن عالمنا سادَه الانفلات.”عبارة تلخّص حال البشرية اليوم: اضطرابات لا تهدأ، صراعات تجرّ خلفها الدمار، وقوى تتصارع على النفوذ بينما تتهاوى القيم تحت أقدام المصالح.وحين قال:”عندما يفقد العالم قيمه الأخلاقية، نفقد قدرتنا على التمييز بين الحق والباطل.”كان الملك لا يُحذّر فقط، بل يُعلن انهيار مرجعية هذا العالم في التفريق بين الجلاد والضحية، بين المعتدي والمعتدى عليه.في خطابه، أعاد الملك تعريف الأمن لا كقوة، بل كشراكة. لم يُخاطب الخائفين بالقوة، بل بالعدل. لم يكتفِ بالتنديد بالحرب، بل ذهب إلى جذورها القيمية، مؤكدًا أن السلام لا يُولد من فوهات البنادق، بل من رحم العدالة.جعل من القدس محورًا للكرامة، ومن غزة رمزًا لخذلان العالم. لم يُساوِ بين الضحية والجلاد، ولم يُجامل في تسمية الأشياء بمسمياتها: صمت العالم جريمة، وتكرار الجرائم تحت غطاء هذا الصمت ليس “أمرًا معتادًا” كما يُراد له أن يكون.دعوة جلالة الملك للاعتراف بدولة فلسطين لم تكن مطلبًا سياسيًا فقط، بل نداءً لإنقاذ ما تبقى من الضمير العالمي.خطابه كان مواجهة مع الحقيقة، في زمنٍ يُفضّل فيه قادة العالم المواربة والصمت.والأهم: أن تلك اللحظة لم تكن لحظة مجاملة أو تصفيقٍ دبلوماسي، بل كانت لحظة استثنائية توقّفت فيها أوروبا، احترامًا لا لدور الأردن فحسب، بل احترامًا لرجلٍ قال ما لم يجرؤ كثيرون على قوله.لقد أعاد الأردن تموضعه كصوتٍ عاقل في عالمٍ فقد توازنه، وصوتٍ شجاع في زمن الارتباك الأخلاقي.